التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٨
-النساء

خواطر محمد متولي الشعراوي

وحين يحضر أولو القُرْبى واليتامى والمساكين مشهد توزيع المال، وكل واحد من الورثة الذين يتم توزيع مال المورِّث عليهم انتهت مسائله، قد يقول هؤلاء، غير الوارثين: إن الورثة إنما يأخذون غنيمة باردة هبطت عليهم مثل هذا الموقف ترك شيئاً في نفوس أولي القُربى واليتامى والمساكين.
صحيح أن أولي القُربى واليتامى والمساكين ليسوا وارثين، ولن يأخذوا شيئاً من التركة فرضاً لهم، ولكن حضروا القسمة؛ لذلك يأتي الأمر الحق: { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفا } [النساء: 8] فلو أنهم لم يحضروا القسمة لاختلف الموقف. فيأمر سبحانه بأن نرزق اليتامى وأولي القُربى والمساكين حتى نستل منهم الحقد أو الحسد للوارث، أو الضغن على المورِّث، ولا يكتفي الحق بالأمر برزق هؤلاء الأقارب واليتامى والمساكين، ولكن يأمر أن نقول لهم: قولاً معروفاً، مثل أن ندعو الله لهم أن يزيد من رزقهم، وأن يكون لهم أموال وأن يتركوا أولاداً ويورثوهم، ومن الذي يجب عليه أن يقوم بمثل هذا العمل؟ إنهم الوارثون إن كانوا قد بلغوا الرشد، ولكن ماذا يكون الموقف لو كان الوارث يتيماً؟ فالحضور هم الذين يقولون لأولي القُربى واليتامى والمساكين: إنه مال يتيم، وليس لنا ولاية عليه، ولو كان لنا ولاية لأعطيناكم أكثر، وفي مثل هذا القول تطبيب للخاطر.
{ وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [النساء: 8] يجب أن تكونوا في ذلك الموقف ذاكرين أنه إذا كنتم أنتم الضعفاء واليتامى وغير الوارثين فمن المؤكد أن السرور كان سيدخل إلى قلوبكم لو شرعنا لكم نصيباً من الميراث. إذن فليذكر كل منكم أنه حين يطلب الله منه، أنك قد تكون مرة في موقف مَنْ يطلب الله له ولأولاده. إذن فالحكم التشريعي لا يؤخذ من جانب واحد، وهو أنه يُلزم المؤمن بأشياء، ولكن لنأخذ بجانب ذلك أنه يلزم غيره من المؤمنين للمؤمن بأشياء.
إن الحكم التشريعي يعطيك، ولذلك يأخذ منك. ولهذا قلنا في الزكاة: إياك أن تلحظ يا من تؤدي الزكاة أننا نأخذ منك حيفا ثمرة كدحك وعرقك لنعطيها للناس، نحن نأخذ منك وأنت قادر لنؤمِّنك إن صرت عاجزاً. وسوف نأخذ لك من القادرين. إنه تأمين رباني حكيم.
ويقول الحق بعد ذلك:
{ وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ... }.