التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
٨٢
-الزخرف

خواطر محمد متولي الشعراوي

من المناسب أنْ تبدأ هذه الآية بكلمة { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الزخرف: 82] بعد الحديث في الآية السابقة عن نَفْي الولد عن الله تعالى، كلمة (سُبْحان) يعني: تنزيهاً لله تعالى عن كلّ ما يدور بخاطرك.
لذلك لا تأتي كلمة سبحان الله إلا مقترنة بشيء عجيب فوق تصوّر العقل البشري:
{ { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36]. { { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا } [الإسراء: 1].
يعني: حينما تقف عقولكم عند هذه المسائل قولوا سبحان الله، ونزِّهوا الله عن مشابهة الخَلْق، ولا تقيسوا قوته بقوتكم، ولا فعله بفعلكم، ولا قدرته بقدرتكم، نزِّهوا الله في أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله.
ثم تأمل كيف يأتي الحق سبحانه في هذه الآية بالصفات التي تناسب نَفْي الولد عنه سبحانه، فيقول { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الزخرف: 82] وهل مالك السماوات والأرض ومَنْ فيهن بحاجة إلى الولد؟ وفي آية أخرى يقول:
{ { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [غافر: 57].
وأعظم من السماوات والأرض العرش (رب العرش) إذن: هو سبحانه في غنىً عن اتخاذ الولد. وقوله: { عَمَّا يَصِفُونَ } [الزخرف: 82] عمَّا يكذبون فيه، أو عمّا يصفون اللهَ به من اتخاذ الولد.
وقلنا: إن تسبيح الله دائرٌ في الزمن كله وثابتٌ لله تعالى قبل الزمن، فالله مُنزَّه وهي صفة ذاتية فيه سبحانه قبل أنْ يخلقَ مَنْ يُسبِّح، فكلمة (سبحان) ذاتية لله قبل أنْ يخلق الخَلْق. فلما أوجد هذا الكون سبَّح الكونُ لله
{ { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [الحشر: 1].
وهذا التسبيح مستمر في الحاضر والمستقبل
{ { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الحشر: 24] وطالما أن الكونَ منظومة واحدة مُسبِّحة لله تعالى فلا تشذ أيها الإنسان عن هذه المنظومة وكُنْ أنت أيضاً مُسبِّحاً: { { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1].