التفاسير

< >
عرض

رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦
-الدخان

خواطر محمد متولي الشعراوي

أي: أن الإرسال رحمة من الله بالعباد، لأنه أمر لنا أنا وأنت من أعلى منا، لا نجد غضاضة في ذلك، فلا أحدَّ منَّا يتعالى على الآخر، لأننا نتلقى أوامرنا من الله، ولذلك الناس البسطاء في الفلاحين يقولون (الأصبع الذي يجرحه الشرع ميخرش دم) لأن الكل يُذعن لأمر الله ويخضع لحكمه ويرضى به.
إذن: تستقيم بنا الحياةُ حين نسير على المنهج، لذلك سماه (الصراط المستقيم) وسماه (سواء السبيل) يعني: في الوسط لا يميل هنا ولا هنا، لأنه يريد أنْ يُوفر عليك المجهود ويوفر الوقت، كل هذا ثمرة المنهج والسير على الصراط المستقيم.
وهذه رحمة من الله بنا، نعم رحمة بنا ألاَّ يتركنا للتجربة يموج بعضُنا في بعض حتى نصلَ إلى الصواب وإلى الحق وإلى الصراط المستقيم، من رحمته بنا ألاَّ يتركنا نتعاند ونتصادم بعضُنا ببعض، بل جعل لنا قوانين، وجعل لنا منهجاً نسير عليه من بداية الطريق.
وفرْق بين أمر يُلجئك إلى أنْ تُعدِّل مسارك وبين أمر معتدل من البداية، من رحمة الله بنا أنْ يجعلنا نسير في اتجاه واحد بحيث تكون كُلُّ الحركات في اتجاه البناء، وكل المجهودات إلى غاية واحدة، يتعاون فيها كل الأفراد، ويتساند فيها كل الأفراد.
وإلاَّ لو كانتْ الحركاتُ متصادمة فهي تهدم وتدمر، وما فائدة أنْ تبني وغيرُك يهدم، على حَدِّ قول الشاعر:

مَتَى يبلُغ البُنْيَانُ يَوْماً تَمامَهُ إذَا كُنْتَ تَبْنيه وَغَيْركَ يَهْدِمُ

وتأمل لفظ القرآن { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [الدخان: 6] ولم يقُلْ رحمة من الله، لأن الربّ هَو مُتولِّي التربية والرعاية، وسبق أنْ قلنا إن الألوهية تكليف والربوبية عطاء، فهذه الرحمة رحمة الرب الراعي الرحيم كالأم تربي طفلها الصغير وتحنو عليه وتُقوِّيه.
وما دام هو سبحانه ربكم ومُربِّيكم وخالقكم كان يجب عليكم أنْ تطيعوه وألاَّ تخرجوا عن منهجه { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [الدخان: 6] السميع لكل آلام الناس وشكاواهم إنْ جهروا بها، وهو (العليم) بأحوالهم وما يختلج في صدورهم إنْ كتموها في أنفسهم، وإنْ كان الخطاب هنا بصيغة المفرد ومُوجهاً إلى سيدنا رسول الله.
{ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [الدخان: 6] أي: يا محمد. وهذه عناية خاصة من الله برسوله وبيان لمنزلته صلى الله عليه وسلم من الله، فعيْنُ الله تحرسه، وعزيزٌ عليه أنْ يصيبه أذىً أو ألم من قومه، فهو أغلى البشر عنده، لذلك ربَّاه التربيةَ التي تجعله لا مهدياً في نفسه فحسب، إنما وهادياً للناس.