التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٧
-آل عمران

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ }: القرآن، { مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ }: واضحات الدلالة، { هُنَّ }: كل واحدة منهن، { أُمُّ ٱلْكِتَابِ }: أصله الذي يرد إليه غيره، { وَ }: آياتٌ، { أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }: متحملات لا يتضح مقصود إلا بالفحص والنظر، وحكمة البعث على النظر لئلا يهمل العقل، ولينال به الثواب، وأيضاً الجمع بين قسمى كلام العرب، أعني ما يفهم معناه سريعاً ولا يتحمل غير ظاهره، وضد ذلك كالكتابة والإشارة ليتحدى بنوعي الكلام.
* تنبيه: اعلم أن الكلام في أقسام ما يطلقون عليه المحكم والمتشابه مشكل، فلا بد من إيراد جملة تكشف ذلك، وهي: أن المتشابه إما لذاته أو لعارضه، والأول إما في اللفظ المفرد لغرابته نحو: "وأبَّا" أو لمشاركته كيد الله، أو في المركب لاختصاره، كـ
{ { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82]، أو إطنابه، نحو: كمثله أو إغلاقه كآية: { { فَإِنْ عُثِرَ } [المائدة: 107] وأما في المعنى لدقته كأوصافه تعالى، وكالقيامة أو لترك الترتيب ظاهراً كآية، { { وَلَوْلاَ رِجَالٌ } [الفتح: 25]، وأما في اللفظ والمعنى، وأقسامه مركبة كما مر، وأما للعَارِض فمن جهة المكان كمحل النزول، أو الإضافة، وهي شروط تصح ويفسد العقد بها، وأما عند الأصوليين: فاللفظ الدال على معنى إن لم يتحمل غيره فنص، وإن احتمل مع التساوي فمجمل، أو مع رجحان، فالراجح ظاهر، والمرجوح مؤول والمشتركُ بين النصِّ والظاهر، وهو واضحُ الدلالة محكم، والمشترك بين المجمل، والمؤول وهو غير متضح الدلالة متشابه، فالمحكم والمتشابه يشملان أقسام اللفظ ثم لا ينافي ذلك { { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } [الزمر: 23]، و { { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ } [هود: 1] إذ معناه يشبه بعضه بعضاً حكماً وبلاغة، وكتاب حفظت آياته من الفساد لفظاً ومعنى، { فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ }: عدول عن الحق كالمبتدعة، { فَيَتَّبِعُونَ }: يتعلقون بظاهر، { مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }: لينزلوه على مقاصدهم الفاسدة، ويتركون المحكم، { ٱبْتِغَاءَ }: طلب، { ٱلْفِتْنَةِ } كإضلال الناس، { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ }: على ما يشتهونه، قرأ عليه الصلاة والسلام هذه الآية، وقال لعائشة -رضي الله تعالى عنها- "إذا رأيت الذين يتبعون على أمتى إلا ثلاث خلال -وذكر منها-: أن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله" ، وليس يعلم، أي: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ }: حقيقته، { إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ }: المتثبتون، { فِي ٱلْعِلْمِ }: قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: "أنا منهم" وأكثر السلف يقفون على: { إِلاَّ ٱللَّهُ }، ويفسرون المتشابه بما لا يطلع عليه إلا الله، { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ }: بالمتشابه، وإن لم نعلم معناه، { كُلٌّ }: منهما، { مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ }: يتعظ بالقرآن، { إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }: ذوي العقول السليمة من الراسخين.