التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤٧
وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ
١٤٨
وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
١٤٩
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ
١٥٠
قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
١٥١
إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ
١٥٢
وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٥٣
وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ
١٥٤
وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ
١٥٥
وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
١٥٦
ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٥٧
-الأعراف

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ }: الدار، { ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ }: بطلت، { أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ } جَزاءَ { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ }: أي: السامري بإعانتهم، { مِن بَعْدِهِ }: بعد ذهابه إلى الجبل { مِنْ حُلِيِّهِمْ }: المستعار من القبط وكان معهم بعد هلاكهم، { عِجْلاً جَسَداً }: بدناً ذا لَحْم ودم، أو من الذهب، { لَّهُ خُوَارٌ }: صوت البقر أو شبيه صوته لدخول الريح في دبره وخروجها من فمه كذا عن ابن عباس، فحيئذ رمى تراب إثر فرس جبريل للحياة، { أَلَمْ يَرَوْاْ }: حين اتخذوه إلهاً { أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ } أي: وقع المضُّ { فِيۤ أَيْدِيهِمْ }: كناية عن ندامة توجب عضها، أي ندموا، { وَرَأَوْاْ }: عَلموا علم الرأي، { أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا }: بقبول توبتنا، { وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ * وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ }: عليهم { أَسِفاً }: حزيناً لمَّا أعلمه الله تعالى كما في طه، { قَالَ }: لهم، { بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي }: فعلتهم أو أقمتم مقامي من عبادته { مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ }: سبقتم، { أَمْرَ }: وَعْدَ { رَبِّكُمْ }: وهو الأربعين أو وعد بسخطه، اعلم أن العجلة طلب الشَّيْ قبل أوانه، وهي مذمومةٌ، وحيث تحمدُ في الخير، فالمراد بها: السرعة، وهي عمل الشيء في أول أوقاته، { وَأَلْقَى }: طرح، { ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ }: شعر، { أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ }: لظنه تقصيره في نهيهم { قَالَ } هارون استعطافاً: { ٱبْنَ أُمَّ }: كانا شقيقين، وهارون أكبر بثلاث سنين، { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي }: وجدوني ضعيفاً، { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي }: حين نهيتهم، { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ }: بأذيتي، { وَلاَ تَجْعَلْنِي }: معدوداً { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }: في العقوبة، فلمَّا علم براءتهُ، { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي } ما صنَعْتُ بالألواح { وَلأَخِي }: إن قَصَّر { وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }: ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ }: إلهاً { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ }: بأمرهم بقتل أنفسهم { وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا }: كاستمرار انقطاعهم من ديارهم، وحرمةُ أولادهم { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ }: أي: فرية فوق قولهم: { { هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } [طه: 88]، { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ }: بالشرك والمعاصي، { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ }: أخلصوا إيمانهم { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا }: بعد التوبة والإخلاص، { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَمَّا سَكَتَ }: سكن وانقطع { عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا }: منسوخا ومكتوبا، { هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } يخافون { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ }: من قومه، { سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا }: ليعتذروا عن عبادة العجل أو طلب الرؤية، إذ قالوا: خُذْ منَّا من يشهد بأن الله يكلمك، فلما سمعوه يكلمه قالوا: أرنا الله جهرة فأخذتهم الصَّاعقةُ { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ }: الصاعقة فماتوا، { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ }: ما تصدق، أو قبل أن نرى ما نرى، { وَإِيَّايَ }: فلو للتمني، { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ }: من عبادة العجل، أو طلب الرؤية { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ }: ابتلاؤك حيث خلقت خُوار العجل، وأسمعتهم كلامك فطمعوا في الرؤية { تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي } بها { مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا }: القائم بأمرنا، { فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ }: تبدل السيئة بالحسنة، { وَٱكْتُبْ } أثبت { لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً }: عافية، { وَفِي ٱلآخِرَةِ }: حسنة بقربك، { إِنَّا هُدْنَـآ }: رجعنا { إِلَيْكَ }: رجعنا إليك، { قَالَ }: الله مجيباً لقوله: { إِنْ هِيَ }- إلخ، { عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ }: تعذيبهُ { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }: في الدنيا حتى الجماد { فَسَأَكْتُبُهَا }: أثبت رحمتي في الآخرة، { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ }: المعاصي، { ٱلزَّكَـاةَ }: خصَّها؛ لأنها كانت أشق عليهم، { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا }: كلها، { يُؤْمِنُونَ } هم { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ }: بالإضافة إلى الله، { ٱلنَّبِيَّ }: بالإضافة إلينا، { ٱلأُمِّيَّ }: لا يقرأ ولا يكتب بخلاف كل الرُّسُل، { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ }: باسمه وصفته، { مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ }: المستلذات المحرمة عليكم، { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ }: ما تستخبثه الطباع السليمة، { وَيَضَعُ }: يخفف، { عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ }: ثقلهم { وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }: التكاليف الشاقة التي كانت كالغل على أعناقهم كتعيين القصاص في العمد والخطأ وقطع الأعضاء الخاطئة، وقرض موضع النجاسة، { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ }: عَظموه، { وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ }: القرآن، { ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ }: مع نبوته، أي: القرآن أو اتباعه عليه الصلاة والسلام، أي: سنته، { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }: الفائزون بالسعادة.