{ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } فقال [لهم]: يا قومي { إني لكم نذير مبين ألا تعبدوا إلاَّ الله } أَيْ: أُنذركم لِتُوحِّدوا الله وتتركوا عبادة غيره { إني أخاف
عليكم } بكفركم { عذاب يومٍ أليم } مؤلمٍ.
{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه } وهم الأشراف والرُّؤساء: { ما نراك إلاَّ بشراً
مثلنا } إنساناً مثلنا لا فضل لك علينا { وما نراك اتبعك إلاَّ الذين هم أراذلنا }
أخسَّاؤنا. يعنون: مَنْ لا شرفَ لهم ولا مال { بادي الرأي } اتَّبعوك في ظاهر
الرَّأي، وباطنهم على خلاف ذلك { وما نرى لكم } يعنون لنوحٍ وقومه { علينا من
فضل } وهذا تكذيبٌ منهم؛ لأنَّ الفضل كلَّه في النُّبوَّة { بل نظنُّكم كاذبين } ليس
ما أتيتنا به من الله.
{ قال يا قوم أرأيتم } أَيْ: أعلمتم { إنْ كنت على بينة من ربي } يقينٍ وبرهانٍ
{ وآتاني رحمة من عنده } نُبوَّةً { فعميت عليكم } فخفيت عليكم؛ لأنَّ الله تعالى
سلبكم علمها، ومنعكم معرفتها لعنادكم الحقَّ { أنلزمكموها } أَنُلزمكم قبولها
ونضطركم إلى معرفتها إذا كرهتم؟
{ ويا قوم لا أسألكم عليه } على تبليغ الرِّسالة { مالاً إن أجري إلاَّ على الله وما أنا
بطارد الذين آمنوا } سألوه طرد المؤمنين عنه ليؤمنوا به أنفةً من أن يكونوا معهم
على سواء، فقال: لا يجوز لي طردهم إذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بإيمانهم،
ويأخذ لهم ممَّن ظلمهم وصغَّر شؤونهم، وهو قوله: { إنهم ملاقوا ربهم ولكني
أراكم قوماً تجهلون } أنَّ هؤلاء خيرٌ منكم؛ لإِيمانهم وكفركم.
{ ويا قوم مَنْ ينصرني من الله } مَنْ يمنعني من عذاب الله { إن طردتهم }؟
{ ولا أقول لكم عندي خزائن الله } يعني: مفاتيح، وهذا جوابٌ لقولهم:
اتَّبعوك في ظاهرِ ما نرى منهم، وهم في الباطن على خلافك، فقال مجيباً لهم:
{ ولا أقول لكم عندي خزائن الله } غيوب الله { ولا أعلم الغيب } ما يغيب عني
ممَّا يسترونه في نفوسهم، فسبيلي قبول ما ظهر منهم { ولا أقول إني مَلَك } جوابٌ
لقولهم: { ما نراك إلاَّ بشراً مثلنا } { ولا أقول للذين تزدري } تستصغر وتستحقر
{ أعينكم } يعني: المؤمنين: { لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم } أَيْ:
بضمائرهم، وليس عليَّ أن أطَّلع على ما في نفوسهم { إني إذاً لمن الظالمين } إن
طردتهم تكذيباً لهم بعد ما ظهر لي منهم الإِيمان.