{ ولما جهزهم بجهازهم } يعني: حمل لكلِّ رجلٍ منهم بعيراً { قال ائتوني بأخٍ
لكم من أبيكم } يعني: بنيامين، وذلك أنَّه سألهم عن عددهم فأخبروه، وقالوا:
خلَّفنا أحدنا عند أبينا، فقال يوسف: فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم. { ألا ترون
أني أوفي الكيل } أُتمُّه من غير بخسٍ { وأنا خير المنزلين } وذلك لأن حين أنزلهم
أحسن ضيافتهم، ثمَّ أوعدهم على ترك الإِتيان بالأخ بقوله:
{ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون }.
{ قالوا سنراود عنه أباه } نطلب منه ونسأله أن يرسله معنا { وإنا لفاعلون }
ما وعدناك من المراودة.
{ وقال } يوسف { لفتيانه } لغلمانه: { اجعلوا بضاعتهم } التي أتوا بها لثمن
الميرة، وكانت دارهم { في رحالهم } أوعيتهم { لعلَّهم يعرفونها } عساهم يعرفون
أنَّها بضاعتهم بعينها { إذا انقلبوا إلى أهلهم } وفتحوا أوعيتهم { لعلهم يرجعون }
عساهم يرجعون إذا عرفوا ذلك؛ لأنَّّهم لا يستحلُّون إمساكها.
{ فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منّا الكيل } حُكم علينا بمنع الكيل بعد
هذا إن لم نذهب بأخينا. يعنون قوله: { فلا كيل لكم عندي ولا تقربون }.
{ فأرسل معنا أخانا نكتل } نأخذ كيلنا.
{ قال هل آمنكم عليه... } الآية، يقول: لا آمنكم على بنيامين إلاَّ كأمني على
يوسف، يريد: إنَّه لم ينفعه ذلك الأمن، فإنَّهم خانوه، فهو - وإن أَمِنَهم في
هذا - خاف خيانتهم أيضاً، ثمَّ قال: { فالله خير حافظاً }.
{ ولما فتحوا متاعهم } ما حملوه من مصر { وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا
يا أبانا ما نبغي } منك شيئاً تردُّنا به وتصرفنا إلى مصر { هذه بضاعتنا ردت إلينا }
فنتصرَّف بها { ونميرُ أهلنا } نجلب إليهم الطَّعام { ونزداد كيل بعير } نزيد حِمْل
بعيرٍ من الطَّعام، لأنَّه كان يُكال لكلِّ رجلٍ وِقْر بعير { ذلك كيلٌ يسير } متيسِّرٌ على
مَنْ يكيل لنا لسخائه.
{ قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله } حتى تحلفوا بالله { لَتَأْتُنَّني به إلاَّ
أن يحاط بكم } إلا أن تموتوا كلُّكم { فلما آتَوْهُ موثقهم } عهدهم ويمينهم { قال }
يعقوب عليه السَّلام: { الله على ما نقول وكيل } شهيد، فلمَّا أرادوا الخروج من
عنده قال:
{ يا بني لا تدخلوا } مصر { من باب واحدٍ وادخلوا من أبواب متفرقة } خاف
عليهم العين، فأمرهم بالتَّفرقة { وما أغني عنكم من الله من شيء } يعني: إنَّ
الحذر لا يُغني ولا ينفع من القدر.