{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوَّة واسمعوا } مضى
تفسيره، ومعنى: واسمعوا، أَيْ: [اقبلوا] ما فيه من حلاله وحرامه وأطيعوا
{ قالوا: سمعنا } ما فيه { وعصينا } ما أُمرنا به { وأُشربوا في قلوبهم العجل }
وسُقوا حبَّ العجل وخُلطوا بحبِّ العجل حتى اختلط بهم، والمعنى: حُبَّب إليهم
العجل { بكفرهم } باعتقادهم التَّشبيه، لأنَّهم طلبوا ما يُتَصَوَّرُ في أنفسهم { قل
بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين } هذا تكذيبٌ لهم في قولهم: نؤمن بما
أنزل علينا، وذلك أنَّ آباءَهم ادَّعوا الإِيمان، ثمَّ عبدوا العجل، فقيل لهم: بئس
الإيمان إيمانٌ يأمركم بالكفر، والمعنى: لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل، يعني:
آباءهم، كذلك أنتم لو كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم ما كذَّبتم محمَّداً.
{ قل إنْ كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إنْ
كنتم صادقين } كانت اليهود تقول: لن يدخل الجنَّة إلاَّ مَنْ كان هوداً، فقيل لهم:
إن كنتم صادقين فتمنَّوا الموت، فإنَّ مَنْ كان لا يشكُّ في أنَّه صائر إلى الجنَّةِ،
فالجنَّةُ آثرُ عنده.
{ ولن يتمنوه أبداً } لأنَّهم عرفوا أنَّهم كفرةٌ، ولا نصيب لهم في الجنَّة، وهو قوله
تعالى: { بما قدَّمت أيديهم } أيْ: بما عملوا من كتمان أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وتغيير
نعته { واللَّهُ عليم بالظالمين } فيه معنى التَّهديد.
{ ولتجدنهم } يا محمَّدُ، يعني:علماءَ اليهود { أحرص الناس على حياةٍ } لأنَّهم
علموا أنَّهم صائرون إلى النَّار إذا ماتوا؛ لما أتوا به في أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { ومن الذين
أشركوا } أَيْ: وأحرص من منكري البعث، ومَنْ أنكر البعث أحبَّ طول العمر؛
لأنَّه لا يرجو بعثاً، فاليهود أحرص منهم؛ لأنَّهم علموا ما جنوا فهم يخافون النَّار
{ يودُّ أحدهم } أَيْ: أحد اليهود { لو يعمَّرُ ألف سنة } لأنَّه يعلم أنَّ آخرته قد
فَسَدَتْ عليه { وما هو } أَيْ: وما أحدهم { بمزحزحه } بِمُبْعِدِهِ من { العذاب أن
يعمَّر } تعميره.
{ قل مَنْ كان عدواً لجبريل } سألت اليهود نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم عن مَنْ يأتيه من الملائكة؟
فقال: جبريل، فقالوا: هو عدوُّنا، ولو أتاك ميكائيل آمنَّا بك، فأنزل الله هذه
الآية، والمعنى: قل مَنْ كان عدوَّاً لجبريل فليمت غيظاً { فإنه نزله } أَيْ: نزَّل
القرآن { على قلبك بإذن الله } بأمر الله { مصدقاً } موافقاً لما قبله من الكتب
{ وهدىًَ وبشرى للمؤمنين } ردٌّ على اليهود حين قالوا: إنَّ جبريل ينزل بالحرب
والشِّدَّة، فقيل: إنَّه - وإنْ كان ينزل بالحرب والشدَّة على الكافرين - فإنه ينزل
بالهدى والبشرى للمؤمنين.