التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٩٣
قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
٩٤
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ
٩٥
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
٩٦
قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٩٧
-البقرة

{ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوَّة واسمعوا } مضى تفسيره، ومعنى: واسمعوا، أَيْ: [اقبلوا] ما فيه من حلاله وحرامه وأطيعوا { قالوا: سمعنا } ما فيه { وعصينا } ما أُمرنا به { وأُشربوا في قلوبهم العجل } وسُقوا حبَّ العجل وخُلطوا بحبِّ العجل حتى اختلط بهم، والمعنى: حُبَّب إليهم العجل { بكفرهم } باعتقادهم التَّشبيه، لأنَّهم طلبوا ما يُتَصَوَّرُ في أنفسهم { قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين } هذا تكذيبٌ لهم في قولهم: نؤمن بما أنزل علينا، وذلك أنَّ آباءَهم ادَّعوا الإِيمان، ثمَّ عبدوا العجل، فقيل لهم: بئس الإيمان إيمانٌ يأمركم بالكفر، والمعنى: لو كنتم مؤمنين ما عبدتم العجل، يعني: آباءهم، كذلك أنتم لو كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم ما كذَّبتم محمَّداً.
{ قل إنْ كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إنْ كنتم صادقين } كانت اليهود تقول: لن يدخل الجنَّة إلاَّ مَنْ كان هوداً، فقيل لهم: إن كنتم صادقين فتمنَّوا الموت، فإنَّ مَنْ كان لا يشكُّ في أنَّه صائر إلى الجنَّةِ، فالجنَّةُ آثرُ عنده.
{ ولن يتمنوه أبداً } لأنَّهم عرفوا أنَّهم كفرةٌ، ولا نصيب لهم في الجنَّة، وهو قوله تعالى: { بما قدَّمت أيديهم } أيْ: بما عملوا من كتمان أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وتغيير نعته { واللَّهُ عليم بالظالمين } فيه معنى التَّهديد.
{ ولتجدنهم } يا محمَّدُ، يعني:علماءَ اليهود { أحرص الناس على حياةٍ } لأنَّهم علموا أنَّهم صائرون إلى النَّار إذا ماتوا؛ لما أتوا به في أمر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { ومن الذين أشركوا } أَيْ: وأحرص من منكري البعث، ومَنْ أنكر البعث أحبَّ طول العمر؛ لأنَّه لا يرجو بعثاً، فاليهود أحرص منهم؛ لأنَّهم علموا ما جنوا فهم يخافون النَّار { يودُّ أحدهم } أَيْ: أحد اليهود { لو يعمَّرُ ألف سنة } لأنَّه يعلم أنَّ آخرته قد فَسَدَتْ عليه { وما هو } أَيْ: وما أحدهم { بمزحزحه } بِمُبْعِدِهِ من { العذاب أن يعمَّر } تعميره.
{ قل مَنْ كان عدواً لجبريل } سألت اليهود نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم عن مَنْ يأتيه من الملائكة؟ فقال: جبريل، فقالوا: هو عدوُّنا، ولو أتاك ميكائيل آمنَّا بك، فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: قل مَنْ كان عدوَّاً لجبريل فليمت غيظاً { فإنه نزله } أَيْ: نزَّل القرآن { على قلبك بإذن الله } بأمر الله { مصدقاً } موافقاً لما قبله من الكتب { وهدىًَ وبشرى للمؤمنين } ردٌّ على اليهود حين قالوا: إنَّ جبريل ينزل بالحرب والشِّدَّة، فقيل: إنَّه - وإنْ كان ينزل بالحرب والشدَّة على الكافرين - فإنه ينزل بالهدى والبشرى للمؤمنين.