التفاسير

< >
عرض

وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٣٢
وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣٣
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
٣٤
ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ
٣٥
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
٣٦
رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ
٣٧
لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٨
وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٣٩
-النور

{ وأنكحوا الأيامى منكم } الذين لا أزواج لهم من الرِّجال والنِّساء { والصالحين من عبادكم } عبيدكم { وإمائكم } جواريكم { إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله } هذا وعدٌ من الله تعالى بالغنى على النِّكاح، وإعلامٌ أنَّه سببٌ لنفي الفقر.
{ وليستعفف } وليعفَّ عن الحرام مَنْ لا يقدر على تزوُّج امرأةٍ، بأن لا يملك المهر والنًّفقة { حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون } يطلبون { الكتاب } المكاتبة { مما ملكت أيمانكم } من عبيدكم، وهو أن يطلب من مولاه أن يبيعه منه بمالٍ معلومٍ يُؤدِّيه إليه في مدَّةٍ معلومةٍ، فإذا أدَّى ذلك عتق { فكاتبوهم } فأعطوهم ما يطلبون من الكتابة { إن علمتم فيهم خيراً } اكتساباً للمال، يقدرون على أداء مال الكتابة { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } يعني: حطُّوا عنهم من المال الذي كاتبتموهم عليه، ويستحبُّ ذلك للسيِّد، وهو أن يحطَّ عنه ربع المال. وقيل: المراد بهذا أن يُؤتوا سهمهم من الزَّكاة { ولا تكرهوا فتياتكم } إماءكم { على البغاء } الزِّنا. نزلت في عبد الله ابن أُبيِّ، وكانت له جوارٍ يكرههنَّ على الزِّنا، ويأخذ منهنَّ أجراً معلوماً { إن أردن تحصناً } قيل: إنَّ هذا راجعٌ إلى قوله: { وأنكحوا الأيامى منكم والصَّالحين من عبادكم وإمائكم } إن أردن تحصُّناً. وقيل: "إنْ" بمعنى: "إذ"، والمعنى: لا تكرهوهنَّ على الزِّنا إذ أردن التًّعفُّف عنه { لتبتغوا عرض الحياة الدنيا } يعني: ما يؤخذ من أجورهنَّ { ومن يكرههنَّ } على الزِّنا { فإنَّ الله من بعد إكراههنَّ } لهنَّ { غفور رحيم } والوزر على المُكْرِه.
{ ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات } يعني: القرآن { ومثلاً } وخبراً وعبرةً { من الذين خَلَوا } مضوا { من قبلكم } يعني: ما ذُكر من قصص القرون الماضية.
{ الله نور السموات والأرض } أَيْ: بنوره وهداه يَهتدي من في السموات والأرض، ثمَّ ضرب مثلاً لذلك النُّور الذي يقذفه في قلب المؤمن حتى يهتدي به فقال: { مثل نوره كمشكاة } وهي الكوَّة غير النَّافذة، والمراد بها ها هنا الذي وسط القنديل كالكوَّة يُوضع فيها الذُّبالة، وهو قوله: { فيها مصباح } يعني: السِّراج { المصباح في زجاجة } لأنَّ النُّور في الزُّجاج، وضوء النَّار أبين منه في كلِّ شيءٍ. { الزجاجة كأنها كوكب } لبياضه وصفائه { دريّ } منسوبٌ إلى أنَّه كالدُّرِّ { تُوقدُ } أي: الزُّجاجة، والمعنى للمصباح، ولكنه حذف المضاف، مَنْ قرأ بالياء أراد: يُوقد المصباح { من شجرة } أَيْ: من زيت شجرةٍ { مباركة زيتونة لا شرقية } ليست ممَّا يطلع عليها الشَّمس في وقت شروقها فقط { ولا غربية } أو عند الغروب، والمعنى: ليس يسترها عن الشَّمس في وقتٍ من النَّهار شيءٌ، فهو أنضر لها، وأجود لزيتها { يكاد زيتها يضيء } لصفائه دون السِّراج، وهو قال عزَّ مِنْ قائلٍ: { يهدي الله لنوره مَنْ يشاء... } الآية
{ في بيوت } أَي: المصباح يوقد في بيوتٍ، يعني: المساجد { أذن الله أن ترفع } تبنى، وقوله تعالى:
{ تتقلب فيه القلوب } بين الطَّمع في النَّجاة، والحذر من الهلاك { والأبصار } تتقلَّب في أيِّ ناحيةٍ يُؤخذ بهم، أذات اليمين أم ذات الشِّمال؟ ومن أيِّ جهةٍ يُؤتون كُتبهم من جهة اليمين أم من جهة الشِّمال؟
{ ليجزيهم الله أحسن } بأحسن { ما عملوا ويزيدهم من فضله } ما لم يستحقُّوه بأعمالهم، ثمَّ ضرب مثلاً لأعمال الكافرين، فقال:
{ والذين كفروا أعمالهم كسراب } وهو ما يرى في الفلوات عند شدَّة الحرِّ، كأنَّه ماءٌ { بقيعة } جمع قاعٍ، وهو المنبسط من الأرض { يحسبه الظمآن } يظنُّه العطشان { ماءً حتى إذا جاءه } جاء موضعه { لم يجده شيئاً } كذلك الكافر يحسب أنَّ عمله مُغنٍ عنه أو نافعه شيئاً، فإذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله لم يجد علمه أغنى عنه شيئاً { ووجد الله عنده } ووجد الله بالمرصاد عند ذلك { فوفَّاه حسابه } تحمَّل جزاء عمله.