{ ولا تهنوا } ولا تضعفوا عن جهاد عدوِّكم بما نالكم من الهزيمة { ولا تحزنوا }
أَيْ: على ما فاتكم من الغنيمة { وأنتم الأعلون } أَيْ: لكم تكون العاقبة بالنَّصر
والظَّفر { إن كنتم مؤمنين } أَيْ: إنَّ الإِيمان يُوجب ما ذكر من ترك الوهن والحزن.
{ إن يمسسكم } يصبكم { قرحٌ } جراحٌ وألمها يوم أُحدٍ { فقد مسَّ القوم }
المشركين { قرحٌ مثله } يوم بدرٍ { وتلك الأيام } أَيْ: أيَّام الدُّنيا { نداولها }
نُصرِّفها { بين الناس } مرَّةً لفرقةٍ ومرَّةً عليها { وليعلم الله الذين آمنوا } مُميَّزين
بالإٍيمان عن غيرهم. أَيْ: إِنَّما نجعل الدَّولة للكفَّار على المؤمنين ليميَّز المؤمن
المخلص ممَّن يرتدُّ عن الدِّين إذا أصابته نكبة، والمعنى: ليعلمهم مشاهدةً كما
علمهم غيباً { ويتخذ منكم شهداء } أَيْ: ليكرم قوماً بالشَّهادة { والله لا يحبُّ
الظالمين } أَي: المشركين، أَيْ: إنَّه إنما يُديل المشركين على المؤمنين لما ذُكر؛
لا لأنَّه يحبُّهم.
{ وليمحص الله الذين آمنوا } أَيْ: ليخلِّصهم من ذنوبهم بما يقع عليهم من قتلٍِ
وجرحٍ وذهاب مال { ويمحق الكافرين } يستأصلهم إذا أدال عليهم: يعني: أنه
يُديل على المؤمنين لما ذُكر، ويُديل على الكافرين لإِهلاكهم بذنوبهم.
{ أم حسبتم } بل أحسبتم: أَي: لا تحسبوا { أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله... }
الآية: أَيْ: ولمَّا يقع العلم بالجهاد مع العلم بصبر الصَّابرين، والآية خطابٌ للذين
انهزموا يوم أُحدٍ. قيل لهم: أحسبتم أن تدخلوا الجنَّة كما دخل الذين قُتلوا وثبتوا
على ألم الجرح والضَّرب من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم؟!
{ ولقد كنتم تمنون الموت } كانوا يتمنَّون يوماً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويقولون: لنفعلنَّ
ولنفعلنَّ، ثمَّ انهزموا يوم أُحدٍ، فاستحقُّوا العقاب، وقوله: { من قبل أن تلقوه }
أَيْ: من قبل يوم أحدٍ { فقد رأيتموه } رأيتم ما كنتم تتمنُّون من الموت، أَيْ
رأيتم أسبابه [ولم تثبتوا مع نبيّكم. نزلت في معاتبة الرسول إياهم، فقالوا: بلغنا
أنَّك قد قُتلْتَ لذلك انهزمنا { وأنتم تنظرون } ] وأنتم بُصراءُ تتأمَّلون الحال في
ذلك كيف هي، فَلِمَ انهزمتم؟
{ وما محمدٌ إلاَّ رسول قد خلت من قبله الرسل } أَيْ: يموت كما ماتت الرُّسل
قبله { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ارتددتم كفَّاراً بعد إيمانكم، وذلك
لمَّا نُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحدٍ وأُشيع أنَّه قد قُتل قال ناس من أهل النِّفاق
للمؤمنين: إن كان محمد قد قُتل فالحقوا بدينكم الأوَّل، فأنزل الله تعالى هذه
الآية. { ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً } أَيْ: فإنما يضرُّ نفسه
باستحقاق العذاب { وسيجزي الله } بما يستحقون من الثَّواب { الشاكرين }
الطَّائعين لله من المهاجرين والأنصار، ثمَّ عاتب المنهزمين.