التفاسير

< >
عرض

فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ
٩٨
وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
٩٩
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ
١٠٠
قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ
١٠١
فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ
١٠٢
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٠٣
-يونس

النهر الماد

{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ } الآية، لولا هنا هي التحضيضية التي صحبها التوبيخ، وكثيراً ما جاءت في القرآن للتحضيض فهي بمعنى هلا.
والتحضيض: ان يريد الإِنسان فعل الشىء الذي يحض عليه وإذا كانت للتوبيخ، فلا يريد المتكلم الحض على ذلك الشىء، وهنا وبّخهم على ترك الإِيمان النافع.
والمعنى: فهلا آمن أهل القرية وهم على مهل لم يلتبس العذاب بهم، فيكون الإِيمان نافعاً لهم في هذه الحال.
و{ إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } استثناء منقطع إذ لم يندرج قوم يونس في قوله: قرية، وإلى الانقطاع فيه ذهب سيبويه والفراء والأخفش. وقيل: هو استثناء متصل لأن التحضيض إنما يكون على شىء لم يقع فيضمن معنى النفي. وصار المعنى لم تكن قرية يعني أهلها آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس. وهم أهل نينوى من بلاد الموصل كانوا يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم يونس عليه السلام فأقاموا على تكذيبه سبع سنين وتوعدهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام، وقيل: بعد أربعين يوماً.
{ إِلَىٰ حِينٍ } أي إلى وقت انقضاء آجالهم.
{ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } قيل: انزلت في أبي طالب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسف لموته على ملة عبد المطلب وكان حريصاً على إيمانه، وكان أحرص الناس على هداية من في الأرض.
{ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ } تقديم الاسم في الاستفهام على الفعل يدل على إمكان حصول الفعل لكن من غير ذلك الاسم، فللَّه ان يكره الناس على الإِيمان لو شاء، وليس ذلك لغيره.
وقرىء: { ونجعل } بنون المتكلم. ويجعل بياء الغيبة.
{ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إذ السبيل إلى معرفته تعالى هو بالتفكر في مصنوعاته وفي العالم العلوي في حركات الافلاك ومقاديرها وأوضاعها. والكواكب وما يختص بذلك من المنافع والفوائد، وفي العالم السفلي في أحوال العناصر والمعادن والنبات والحيوان، وخصوصاً حال الإِنسان.
وكثيراً ما ذكر الله في كتابه الحض على التفكر في مخلوقاته تعالى وقال: ماذا في السماوات والأرض، تنبيهاً على القاعدة الكلية. والعاقل يتنبّه لتفاصيلها وأقسامها، ثم لما أمر الله تعالى بالنظر أخبر أنه من لا يؤمن لا تغنيه الآيات.
والنذر: جمع نذير، أما مصدر فمعناه الإِنذارات، وأما بمعنى منذر، فمعناه المنذرون والرسل.
وما: الظاهر أنها للنفي ويجوز أن تكون استفهاماً، أي وأيّ شىء تغني الآيات وهي الدلائل وهو استفهام على جهة التقرير. قال ابن عطية: ويحتمل أن تكون ما في قوله: وما تغني مفعوله لقوله: انظروا، معطوفة على قوله: ماذا، أي تأملوا قدر غنى الآيات والنذر عن الكفار إذا قبلوا ذلك كفعل قوم يونس فإِنه يرفع العذاب في الدنيا والآخرة، وينجي من المهلكات فالآية على هذا تحريض على الإِيمان.
ويجوز اللفظ على هذا التأويل إنما هو قوله: لا يؤمنون. "انتهى". هذا احتمال فيه ضعف. وفي قوله: مفعولة معطوفة على ماذا تجوز، يعني أن الجملة الاستفهامية التي هي ماذا في السماوات في موضع المفعول، لا ان ماذا وحده منصوب بانظروا، فتكون "ماذا" موصولة. و"انظروا" بصريةٍ، لما تقدم.
وفي الآية توبيخ لحاضري رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين.
{ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا } لما تقدم قوله: فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم وكان ذلك مشعراً بما حل بالأمم الماضية المكذبة ومصرحاً بهلاكهم في غير ما آية، أخبر تعالى عن حكاية حالهم الماضية فقال: ثم ننجي رسلنا، والمعنى ان الذين خلوا أهلكناهم لما كذبوا الرسل، ثم نجينا الرسل والمؤمنين. والظاهر أن كذلك في موضع نصب تقديره مثل ذلك الإِنجاء الذي نجينا الرسل ومؤمنيهم ننجي من آمن بك يا محمد، ويكون "حقاً" على تقدير حق ذلك حقاً.