التفاسير

< >
عرض

وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦
وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ
٧
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
٨
وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ
٩
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
١٠
إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١١
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
١٢
-هود

النهر الماد

{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } الآية. الدابة هنا عام في حيوان يحتاج إلى رزق. وعلى الله ظاهر في الوجوب، وإنما هو تفضل. ولكنه لما ضمن تعالى أن يتفضل عليهم أبرزه في حيز الوجوب. قال ابن عباس: مستقرها: حيث تأوي إليه من الأرض. ومستودعها: الموضع الذي تموت فيه فتدفن.
ومن دابة في موضع مبتدأ. ومن زائدة لاستغراق الجنس. ورزقها مبتدأ. وعلى الله خبره، والجملة خبر المبتدأ، والتقدير وما من دابة إلا رزقها كائن على الله تعالى.
{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ } الآية، لما ذكر تعالى ما يدل على كونه عالماً ذكر ما يدل على كونه قادراً.
وتقدم تفسير الجملة الأولى في سورة يونس. والظاهر أن قوله: وكان عرشه على الماء، تقديره قبل خلق السماوات والأرض، وفي هذا دليل على أن الماء والعرش كانا مخلوقين قبل. والظاهر تعلق ليبلوكم بخلق، أي خلقهن بحكمة بالغة وهي ان يجعلها مساكن لعباده وينعم عليهم فيها بفنون النعم ويكلفهم فعل الطاعات واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه.
ومعنى ليبلوكم، أي ليختبركم وأيكم أحسن مبتدأ وخبر في موضع نصب بقوله: ليبلوكم، وهو معلق، لأن الاختبار فيه معنى التمييز والعلم. وذكر الزمخشري: ان استمع تعلق، ومثله بقوله: استمع أيهم مبتدأ أحسن صوتاً. "انتهى".
ولا أعلم أحداً ذكر ان استمع تعلق، وإنما ذكروا من غير أفعال القلوب سل وانظر. وفي جواز تعليق رأي البصرية خلاف ولذلك علق عن جملة الاستفهام. والظاهر الإِشارة بهذا إلى القول، أي أن قولكم إنكم مبعوثون إلا سحر، أي بطلان هذا القول كبطلان السحر.
والظاهر أن العذاب هو العذاب الموعود به. والأمة هنا المدة من الزمان.
{ مَا يَحْبِسُهُ } استفهام قالوه على سبيل التكذيب والاستهزاء. والظاهر أن يوم منصوب بقوله: مصروفاً، فهو معمول لخبر ليس وقد استدل به على جواز تقديم خبر ليس عليها، قالوا: لأن تقدم المعمول يؤذن بتقدم العامل، ونسب هذا المذهب لسيبويه، وعليه أكثر البصريين، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه لا يجوز ذلك وقالوا: لا يدل جواز تقدم المعمول على جواز تقدم العامل، وأيضاً فإن الظرف والمجرور يتسع فيهما ما لا يتسع في غيرهما، ويقعان حيث لا يقع العامل فيهما نحو: ان اليوم زيداً مسافر. وقد تتبعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقدم خير ليس عليها ولا بمعموله إلا ما دل عليه ظاهر هذه الآية. وقول الشاعر:

فيأبى فما يزداد إلا لجاجة وكنت أبياً في الخنا لست أقدم

وتقدم تفسير جملة: وحاق بهم.
{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } الآية، الظاهر أن الإِنسان هنا جنس، والمعنى أن هذا الخلق في سجايا الناس ثم استثنى منهم الذين ردتهم الشرائع والإِيمان إلى الصبر والعمل الصالح ولذلك جاء الاستثناء منه في قوله: إلا الذين صبروا متصلاً.
{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ } الآية، كانوا يقترحون عليه الآيات تعنتاً لا استرشاداً لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في إرشادهم. وضائق: اسم فاعل، من ضاق وعبر بضائق دون ضيق للمناسبة في اللفظ مع تارك، وان كان ضيق أكثر استعملاً لأنه وصف لازم وضائق وصف عارض، ولأن اسم الفاعل من الثلاثي إذا لم يأت على وزن فاعل نحو فرح وثقيل. وأريد الحدوث به بني على فاعل كثقل فهو ثاقل وفرح فهو فارح، ولذلك جاء اسم الفاعل من ضاق على فاعل لحدوثه إذ ليس وصفاً لازماً فيجيء على ضيق.
{ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } أي ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه وما عليك ردوا أو تهاونوا أو اقترحوا.
{ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل فتوكل عليه وكل أمرك إليه.