التفاسير

< >
عرض

تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً
٤٤
وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً
٤٥
وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً
٤٦
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً
٤٧
ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً
٤٨
وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
٤٩
قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً
٥٠
أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً
٥١
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً
٥٢
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً
٥٣
رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً
٥٤
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً
٥٥
قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً
٥٦
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً
٥٧
وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٥٨
وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً
٥٩
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
٦٠
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً
٦١
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً
٦٢
قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً
٦٣
وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
٦٤
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً
٦٥
رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
٦٦
وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً
٦٧
أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً
٦٨
أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً
٦٩
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً
٧٠
يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
٧١
وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٧٢
وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً
٧٣
وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً
٧٤
إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً
٧٥
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
٧٦
سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً
٧٧
أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً
٧٨
وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً
٧٩
وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً
٨٠
-الإسراء

النهر الماد

{ وَإِن مِّن شَيْءٍ } ان نافية ومن شىء مبتدأ ومن زائدة وخبره يسبح موجب.
{ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً } حيث لا يعاجلكم بالعقوبة على سوء نظركم.
{ غَفُوراً } إن رجعتم ووحدتم الله.
{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ } الآية نزلت في أبي سفيان والنضر وأبي جهل وأم جميل امرأة أبي لهب كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قرأ القرآن فحجب الله أبصارهم إذ قرأ فكانوا يمرون به ولا يرونه * ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر تقرير الألوهية ذكر بعده تقرير النبوّة وذكر شيئاً من أحوال الكفرة وإنكارها وإنكار المعاد والمعنى وإذا شرعت في القراءة وليس المعنى على الفراغ من القراءة. بل المعنى أنك إذا التبست بقراءة القرآن ولا يراد بالقرآن جميعه بل ما ينطلق عليه الاسم فإِنك تقول لمن يقرأ شيئاً من القرآن قارىء القرآن والظاهر إقرار مستوراً على موضوعه من كونه اسم مفعول أي مستوراً عن أعين الكفار فلا يرونه أو مستوراً به الرسول عن أعينهم.
{ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } تقدم تفسيره في الانعام.
{ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ } قيل
"دخل ملأ من قريش على أبي طالب يزورونه فدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ ومر بالتوحيد ثم قال: يا معشر قريش: قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم فولوا ونفروا" فنزلت قال الزمخشري: وحد يحد وحدا وحده نحو وعد يعد وعداً وعده ووحده من باب رجع عوده على بدئه وأفعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسدّ الحال أصله يحد وحده بمعنى واحد انتهى ما ذهب إليه من أن وحده مصدر ساد مسد الحال خلاف مذهب سيبويه ووحده عند سيبويه ليس مصدراً بل إسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال فوحده عنده موضوع موضع إيحاد وإيحاد موضوع موضع موحد ووحده وقع بعد فاعل ومفعول نحو ضربت زيداً وحده فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل أي موحداً له بالضرب ومذهب المبرد أنه يجوز أن يكون حالاً من المفعول فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير موحداً له بالذكر وعلى مذهب المبرد يكون التقدير موحداً بالذكر والظاهر أن الآية في حال الفارّين عنه وقت قراءته القرآن ومرور بتوحيد الله تعالى والمعنى إذا جاءت في قراءته مواضع التوحيد فرّ الكفار إنكاراً له واستبشاعاً لرفض آلهتهم وإطراحها.
{ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ } أي بالاستخفاف الذي يستمعون به والهزء بك وبالقرآن واللغو كان إذا قرأ صلى الله عليه وسلم قام رجلان من بني عبد الله عن يمينه ورجلان منهم عن يساره فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار وبما يتعلق بأعلم وفيه متعلق بيستمعون لما ضمن يستمعون معنى يستهزئون عدي بالباء وإليك متعلق بيستمعون الثانية وإذا الثانية بدل من الأولى ونجوى على إضمارهم نجوى أي ذوو نجوى وإن في إن يتبعون نافية والجملة في موضع مفعول بيقول وروي أن تناجيهم كان عند عتبة دعا أشراف قريش إلى طعام فدخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله فتناجوا يقولون ساحر مجنون والظاهر أن مسحوراً من السحر أي خبل عقله السحر والأمثال هي ما تقدّم من قولهم في تناجيهم.
{ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } إي إلى الإِيمان.
{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا } هذا استفهام تعجب وإنكار واستبعاد لما ضربوا له الأمثال وقالوا عنه انه مسحور ذكروا ما استدلوا به على زعمهم على اتصافه بما نسبوا إليه واستبعدوا أنه بعدما يصير الإِنسان رفاتاً يحييه الله ويعيده وقد رد عليهم ذلك بأنه تعالى هو الذي فطرهم بعد العدم الصرف على ما يأتي بشرحه في الآية بعد هذا وجواب إذا محذوف تقديره أئذا كنا عظاماً ورفاتاً نبعث رفت الشىء كسره يرفته بالكسر والرفات الأجزاء المفتتة من كل شىء مكسر وفعال بناء لهذا المعنى كالحطام والفتات والرضاض والرقاق.
{ قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً } الآية أي كونوا حجارة يابسة أو حديداً مع أن طباعها القساوة والصلابة لكان قادراً على أن يردّكم إلى حال الحياة.
{ أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } عن قبول الحياة ويعظم في زعمكم على الخالق إحياؤه فإِنه يحييه.
{ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ } أي يحركونها على سبيل التكذيب والاستبعاد.
{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ } أي متى العود ولم يقولوا ذلك على سبيل التسليم للعود ولكن حيدة وانتقالاً لما لا يسأل عنه لأن ما ثبت إمكانه بدليل العقل لا يسأل عن تعيين وقوعه ولكن أجابهم على سؤالهم يقرب وقوعه إلا بتعيين زمانه لأن ذلك مما استأثر تعالى بعلمه واحتمل أن يكون في:
{ عَسَىٰ } إضمار أي عسى هو أي العدد واحتمل أن يكون مرفوعها أن.
{ يَكُونَ } فتكون فيه تامة ووقع في لفظ ابن عطية عسى أن الساعة قريبة "انتهى". وهذا تركيب لا يجوز لا تقول عسى أن زيداً قائم بخلاف عسى أن يقوم زيد.
و{ قَرِيباً } يحتمل أن يكون خبر كان على أنه يكون العود متصفاً بالقرب ويحتمل أن يكون ظرفاً أي زماناً قريباً وعلى هذا التقدير يكون:
{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ } بدلاً من قريباً فالظاهر أن الدعاء حقيقة أي يدعوكم بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال تعالى
{ { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ق: 41] الآية ومعنى تستجيبون توافقون الداعي فيما دعاكم إليه والظاهر أن الخطاب للكفار إذ الكلام قيل ذلك معهم فالضمير لهم.
و{ بِحَمْدِهِ } حال منهم أي ملتبسين بالثناء عليه تعالى.
{ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أن هنا نافية وتظنون معلقة عن العمل فالجملة بعده في موضع نصب وقلما ذكر النحويون في أدوات التعليق أن النافية ويظهر أن انتصاب قليلاً على أنه نعت كزمان محذوف أي الأزمانا قليلاً كقوله:
{ { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [الكهف: 19، المؤمنون: 113] ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي لبثنا قليلاً ودلالة الفعل على مصدره دلالة قوية.
{ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الآية إضافة العباد له تعالى تدل على أن المأمورين هم المؤمنون أمروا أن يقول بعضهم لبعض الكلم التي هي أحسن أي يجل بعضهم بعضاً ويعظمه ولا يصدر له منه إلا الكلم الطيب والقول الجميل ونبهوا على أنه قد يكون من الشيطان نزغ لهم فيجتنبوه ذكروا بعداوته القديمة لهم والخطاب بقوله:
{ رَّبُّكُمْ } للمؤمنين فالرحمة الانجاء من الكفار وأذاهم والتعذيب تسليطهم عليهم.
{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } أي حافظاً وكفيلاً ولما خاطبهم بقوله تعالى: { أَعْلَمُ بِكُمْ } تنقل من الخصوص إلى العموم فقال مخاطباً لرسوله صلى الله عليه وسلم.
{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ليبين أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع من في السماوات والأرض بأحوالهم ومقاديرهم وما يستأهل كل واحد منهم وبمن متعلق بأعلم كما تعلق بكم قبله بأعلم ولما كان الكفار قد استبعدوا تنبىء البشر إذ فيه تفضيل الأنبياء على غيرهم أخبر تعالى بتفضيل بعض الأنبياء على بعض إشارة إلى أنه لا يستبعد تفضيل الأنبياء على غيرهم إذ وقع التفضيل في هذا الجنس المفضل على الناس والله أعلم بما خص كل واحد من المزايا فهو يفضل من شاء منهم على من شاء إذ هو الحكيم فلا يصدر شىء إلا عن حكمته وفيه إشارة إلى أنه لا يستنكر تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء وخص داود بالذكر هنا لأنه تعالى ذكر في الزبور أن محمداً خاتم النبيين وأن أمّته خير الأمم وقال تعالى:
{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } [الأنبياء: 105] وهم محمد وأمّته وكانت قريش ترجع إلى اليهود كثيراً فيما يخبرون به مما في كتبهم فنبه على أن زبور داود تضمن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك رد على مكابري اليهود حيث قالوا لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة ونص تعالى هنا على إيتاء داود الزبور وإن كان قد آتاه مع ذلك الملك إشارة إلى أن التفضيل المحض وهو بالعلم الذي آتاه والكتاب الذي أنزل عليه كما فضل محمداً صلى الله عليه وسلم بما آتاه من العلم والقرآن الذي خصه به وتقدم تفسير وآتينا داود زبوراً في آخر النساء.
{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم } الآية قيل نزلت في عبدة الشيطان وهم خزاعة أسلمت الشياطين وبقوا يعبدونهم فلا يستطيعون جواب لقوله ادعو وثم محذوف بعد الفاء تقديره فهم لا يستطيعون والمعنى لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحولوه من واحد إلى آخر ويبدلوه وفي قوله: زعمتهم ضمير محذوف عائد على الذين وهو المفعول الأول والثاني محذوف تقديره زعمتموهم آلهة من دون الله والظاهر أن أولئك إشارة إلى المعبودين وهو مبتدأ والذين صفة له ويدعون صلة للذين والواو للعابدين والضمير العائد على الذين محذوف تقديره يدعونهم آلهة ويبتغون خبر أولئك والوسيلة القرب إلى الله.
{ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } أجاز الحوفي أن يكون بدلاً من الواو في يبتغون وتبعه الزمخشري فعلى هذا يكون أيهم موصولاً وأقرب خبر مبتدأ التقدير ويبتغي الذين هم أقرب إلى ربهم الوسيلة وأجاز أيضاً أن يكون أيهم أقرب مبتدأ وخبراً على الاستفهام ومقدراً قبله الفعل المعلق وهو ينظرون وقال نحوه ابن عطية والجملة في موضع نصب على إسقاط في ان كان من نظر القلب وإلى ان كان من نظر البصر وإضمار الفعل المعلق يحتاج إلى سماع ويرجون رحمته معطوف على يبتغون.
{ مَحْذُوراً } يحذره كل أحد.
{ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ } إن نافية ومن زائدة في المبتدأ تدل على استغراق الجنس والجملة بعد الا خبر المبتدأ وقيل المراد الخصوص والتقدير وان من قرية ظالمة والظاهر أن جميع القرى تهلك قبل يوم القيامة وإهلاكها تخريبها وفناء أهلها تخريبها وفناء أهلها أو معذبوها أي معذبوا أهلها بالقتل وأنواع العذاب.
{ كَانَ ذٰلِك } إشارة إلى الاهلاك والتعذيب في الكتاب أي في سابق القضاء أو اللوح المحفوظ أي مكتوباً أسطاراً.
{ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ } الآية عن ابن عباس أن أهل مكة سألوا أن تجعل لهم الصفا ذهباً وأن تنحى عنهم الجبال فيزرعون اقترحوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوحى الله تعالى إن شئت أن أفعل ذلك لهم فإِن تأخروا عاجلتهم بالعقوبة وإن شئت استأنيت بهم عسى أن أجتبي منهم مؤمنين فقال بل تستأني بهم يا رب فنزلت واستعير المنع للترك أي ما تركنا إرسال الآيات المقترحة إلا لتكذيب الأولين بها وليس تكذيب الأولين علة في منع إرسال الآيات لقريش فالمعنى إلا اتباعهم طريقة تكذيب الأولين بها فتكذيب الأولين فاعل على حذف مضاف فإِذا كذبوا بها كما كذب الأولون عاجلتهم بعذاب الاستئصال وقد اقتضت الحكمة أن لا أستأصلهم.
{ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ } ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت إليهم فأهلكوا واحدة وهي ناقة صالح لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم وانتصب مبصرة على الحال وهي قراءة الجمهور وقرىء: مبصرة بالرفع على إضمار مبتدأ أي هي مبصرة وأضاف الابصار إليها على سبيل المجاز لما كانت يبصرها الناس والتقدير آية مبصرة وقرىء: مبصرة بفتح الصاد اسم مفعول يبصرها الناس ويشاهدونها.
{ إِلاَّ تَخْوِيفاً } أي إنذاراً بعذاب الدنيا والآخرة.
{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ } الآية أحاط بالناس فقيل بعلمه فلا يخرج شىء عن علمه وبقدرته فقدرته غالبة كل شىء.
{ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ } قال الجمهور: هي رؤيا عين ويقظة وهي ما رأى في ليلة الإِسراء من العجائب قال الكفار: إن هذا لعجب نخب إلى بيت المقدس شهرين إقبالاً وإدباراً ويقول محمد: جاءه من ليلة وانصرف منه فافتتن بهذا التلبيس قوم من ضعفاء المسلمين فارتدوا وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية وقيل في الرؤيا غير ذلك مما هو مذكور في البحر * قال ابن عطية: قالت عائشة: الرؤيا رؤيا منام وهذه الآية تقضي بفساده وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها وما كان لأحد أن ينكرها انتهى ليس كما قال ابن عطية فإِن رؤيا الأنبياء حق ويخبر النبي بوقوع ذلك لا محالة فيصير إخباره بذلك فتنة لمن يريد الله به ذلك وأريناك صلة للتي والعائد محذوف تقديره أريناكها والشجرة الملعونة في القرآن قيل هي أبو جهل وقيل شجرة الزقوم وقال أبو جهل وغيره هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنها تنبت الشجر والنار تأكل الشجر وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد ثم أمر أبو جهل جارية له فأحضر تمراً وزبداً وقال لأصحابه ترقموا فافتتن أيضاً بهذه المقالة بعض الضعفاء والظاهر أن الشجرة الملعونة في القرآن هي التي تفرع منها ناس في الملة الإِسلامية وهم ظالمون قد أحدثوا في الشريعة ما لا يجوز فيها ويدل عليه قوله تعالى:
{ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [هود: 18] وسئل الإِمام أحمد عن شخص هل نلعنه فقال: هل رأيتني ألعن أحداً ثم قال: ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه وتلا ألا لعنة الله على الظالمين.
{ فَمَا يَزِيدُهُمْ } أي: التخويف إلا طغياناً كبيراً.
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } الآية تقدم الكلام في مثل هذه الآية وانتصب طيباً على أنه حال من الضمير المحذوف العائد على من تقديره لمن خلقته في حال طين وهي حال ماضية إذ لم يكن بعد أن صور آدم إنما كان طيناً قبل ذلك فهي حال ماضية محكية * وأجاز بعضهم أن يكون منصوباً على إسقاط حرف الجر تقديره من طين كما صرح به في قوله:
{ { وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12، ص: 76] والكاف في أرأيتك للخطاب وتقدم الكلام عليها في سورة الأنعام * وقال الحوفي أرأيتك بمعنى عرفني وأخبرني وهذا منصوب بأرأيتك والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي لم كرمته عليّ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين وحذف هذا لما في الكلام من الدليل عليه وقال نحواً منه الزمخشري * وقال ابن عطية والكاف في أرأيتك حرف خطاب ومبالغة في التنبيه لا موضع لها من الإِعراب فهي زائدة ومعنى أرأيت أتأملت ونحوه كان المخاطب بها ينبه المخاطب ليستجمع لما ينصه عليه بعد وقال سيبويه: هي بمعنى أخبرني ومثل بقوله: أرأيتك زيداً أيؤمن هو وقاله الزجاج ولم يمثل وقول سيبويه صحيح حيث يكون بعدها استفهام كمثاله وأما في هذه الآية فهي كما قلت وليست التي ذكر سيبويه "انتهى" * وما ذهب إليه الحوفي والزمخشري في أرأيتك هنا هو الصحيح فلذلك قدر الاستفهام وهو لم كرمته عليّ فقد انعقد من قوله هذا الذي كرمت عليّ لم كرمته على جملة من مبتدأ وخبر وصار مثل زيد أيؤمن هو دخلت عليه أرأيتك فعملت في الأول والجملة الاستفهامية في موضع الثاني والمستتر في أرأيت بمعنى أخبرني أن يدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر استفهاماً فإِن صرح به فذاك واضح وإلا قول وقد أشبعنا الكلام في ذلك في سورة الانعام ومعنى:
{ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ } أي أخرت مماتي وأبقيتني حياً واللام مؤذنة بقسم محذوف وقد جرح هو في مكان آخر بالمقسم به فقال فبعزتك وجواب القسم لأحتنكن تقول العرب احتنك الجراد الأرض أكل نباتها ولذلك فسره بعضهم بمعنى لأستأصلن واستثنى القليل لأنه علم أنه يكون في ذرية آدم صلى الله عليه وسلم من لا يتسلط عليه كما قال { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [الحجر: 40، ص: 83] والأمر بالذهاب ليس على حقيقته من نقيض المجيء والمعنى إذهب لشأنك الذي اخترته وعقبه بذكر ما جره سوء فعله من جزائه وجزاء اتباعه جهنم ولما تقدم اسم غائب وهو فمن تبعك وضمير خطاب غلب الخطاب فقال جزاؤكم والموفور المكمل ووفر متعد * كقوله:

ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم

ولازم تقول وفر المال يفر وفوراً وانتصب جزاء على المصدر والعامل فيه جزاؤكم.
{ وَٱسْتَفْزِزْ } معناه استخفف وهو معطوف على فاذهب وعطف عليه ما بعده من الأمر وكلها بمعنى التهديد كقوله:
{ { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40] ومن في:
{ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ } موصولة مفعولة باستفزز ومفعول استطعت محذوف تقديره من استطعت أن تستفزه * والصوت هنا الدعاء إلى معصية الله وقرأ الحسن.
{ وَأَجْلِبْ } بوصل الألف وضم اللام من جلب ثلاثياً واجلب من أجلب على قراءة الجمهور رباعياً والظاهر أن إبليس له خيل ورجالة من الجن من جنسه قاله قتادة: وقيل من الآدميين أضيفوا إليه لانخراطهم في طاعته وكونهم أعوانه على غيرهم قاله مجاهد * وقال الزمخشري: فإِن قلت ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله قلت هو كلام وارد مورد التمثيل مثلت حاله في تسليط على من يغويه بمغوار وقع على قوم فصوت بهم صوتاً يستفزهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم واجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم انتهى وقرأ الجمهور ورجلك بفتح الراء وسكون الجيم وهو اسم جمع واحده راجل كركب وراكب وقرأ حفص بكسر الجيم * والمشاركة في الأموال ما أخذ من غير حقه وما وضع في غير حقه المشاركة في الأولاد ما مجسوه وهودوه ونصروه وصبغوه غير صبغة الإِسلام وأما وعده فالوعد الكاذب كوعدهم أن لا بعث * وانتصب غروراً وهو مصدر على أنه نعت لمصدر محذوف أي وعداً غروراً والإِضافة إليه تعالى في أن عبادي إضافة تشريف والمعنى المختصين بكونهم عبادي لا يضافون إلى غيري ومعنى وكيلاً أي حافظاً لعباده الذين ليس له عليهم سلطان من إغواء الشيطان.
{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ } الآية لما ذكر تعالى وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم وأنها تضر وتنفع وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم وتمكينه من وسوسة ذريته وتسويله ذكر ما يدل من أفعاله على وحدانيته تعالى فإِنه هو النافع الضار المتصرف في خلقه بما يشاء فذكر إحسانه إليهم بحراً وبراً وإزجاء الفلك سوقها من مكان إلى مكان بالريح اللينة والمجاديف وابتغاء الفضل طلب التجارة والحج فيه والغزو والضر في البحر الخوف من الغرق باضطرابه وعصف الريح ومعنى ضل ذهب من أوهامكم من تدعونه إلهاً فيشفع أو ينفع وجاءت صفة كفور دلالة على المبالغة ثم لم يخاطبهم بذلك بل أسند ذلك إلى الإِنسان لطفاً بهم وإحالة على الجنس إذا كل واحد لا يكاد يؤدي شكر نعم الله ولما كان الخسف تغييباً في التراب قال جانب وبكم حال أي يخسف جانب البر مصحوباً بكم والحاصب الحجارة ثم لا تجدوا عند حلول أحد هذين بكم من تكلون أموركم إليه وأم في أم أمنتم منقطعة فتتقدر ببل والهمزة أي بل أأمنتم والضمير في فيه عائد على البحر وانتصب تارة على الطرف أي وقتاً غير الوقت الأول.
{ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ } والقاصف الذي يكسر كل ما يلقى ويقال قصف الشجر يقصفه قصفاً كسره * وقال أبو تمام:

إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت عيدان نجد ولا يعبأن بالرتم

{ بِمَا كَفَرْتُمْ } سببية وما مصدرية أي بسبب كفركم السابق منكم والضمير في به عائد على المصدر الدال عليه فيغرقكم إذ هو أقرب مذكور وهو نتيجة الإِرسال * والتبيع قال ابن عباس النصير وقال الفراء طالب الثأر.
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } الآية لما ذكر تعالى ما امتن به عليهم من إزجاء الفلك في البحر ومن تنجيتهم من الغرق تمم ذكر المنة بذكر تكريمهم ورزقهم وتفضيلهم وكرم تعدي بالتضعيف من كرم أي جعلناهم ذوي كرم بمعنى الشرف والمحاسن الجمة وحملناهم في البر والبحر * وقال ابن عباس: في البر على الخيل والبغال والحمير والإِبل وفي البحر على السفن * والطيبات كما تقدم الحلال أو المستلذ * ومعنى على كثير أبهم في قوله على كثير ولم يعين الكثير الذي فضل بني آدم عليه ولما ذكر تعالى أنواعاً من كرامات الإِنسان في الدنيا ذكر شيئاً من أحوال الآخرة فقال:
{ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } والعامل في يوم أذكر على أنه مفعول بإِمامهم والظاهر أنه الإِمام الذي يأتم به أمته من نبي أو كتاب أو شريعة.
{ فَأُوْلَـٰئِكَ } جاء جمعاً على معنى من إذ قد حمل على اللفظ أولاً فأفرد في قوله: أوتي كتابه بيمينه والكتاب ما كتب له فيه من خير أو شر.
{ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } أي لا ينقصون أدنى شىء وتقدم شرح الفتيل في سورة النساء والظاهر أن الإِشارة بقوله في هذه إلى الدنيا قاله ابن عباس وغيره أي من كان في هذه الدار أعمى عن النظر في آيات الله وعبره والإِيمان بأنبيائه فهو في الآخرة أعمى إما أن يكون على حذف مضاف أي في شأن الآخرة وإما أن يكون فهو يوم القيامة أعمى على معنى أنه خير أن لا يتوجه له صواب ولا يلوح له نجح.
{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } الضمير في وإن كادوا عائد على الكفار ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما عدد نعمه على بني آدم تمم ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة ومن عمل أهل الشقاوة أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على سيد أهل السعادة المتطوع له بالعصمة ومعنى ليفتنونك ليخدعونك وذلك في ظنهم لا أنهم قاربوا ذلك إذ هو معصوم صلى الله عليه وسلم أن يقاربوا فتنته عما أوحي إليه وتلك المقاربة في زعمهم سببها رجاؤهم أن يفتري على الله غير ما أوحي إليه من تبديل الوعد وعيداً والوعيد وعداً وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى الله ما لم ينزله عليه وان هذه هي المخففة من الثقيلة وليتها الجملة الفعلية وهي كادوا لأنها من أفعال المقاربة وإنما تدخل على مذهب البصريين من الأفعال على النواسخ التي للإِثبات على ما تقرر في علم النحو واللام في ليفتنونك هي الفارقة بين أن هذه وان النافية وإذا حرف جواب وجزاء ويقدر قسم هنا يكون لاتخذوك ولا تخذوك في معنى لا يتخذونك.
{ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ } جواب لولا يقتضي إذا كان مثبتاً امتناعه لوجود ما قبله فمقاربة الركون لم يقع منه صلى الله عليه وسلم فضلاً عن الركون والمانع من ذلك هو وجود تثبيت الله تعالى له وانتصب شيئاً على المصدر وجواب لولا قوله: لقد كدت ومثله قول الشاعر:

لولا الأمير ولولا فضل طاعته لقد شربت وما أحلى من العسل

وأكثر ما يجيء باللام وحدها وبعدها الفعل الماضي المثبت كقوله: لمسكم.
{ إِذاً لأذَقْنَاكَ } عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين.
{ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ }
"روي أنه لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين" والضمير في وان كادوا ليهود المدينة وناحيتها كحيي ابن أخطب وغيره، وذلك أنهم ذهبوا إلى المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ان هذه ليست بأرض الأنبياء وإنما أرض الأنبياء الشام، ولكنك تخاف الروم فإِن كنت نبياً فاخرج إليها فإِن الله سيحميك كما حمى غيرك من الأنبياء، فنزلت وأخبر تعالى أنه لو خرج لم يبثهم بعد إلا قليلاً * وانتصب سنة على المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة والمعنى أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فسنة الله أن يهلكهم بعد إخراجه ويستأصلهم ولا يقيمون بعده إلا قليلاً كقوله: في قصة شعيب وقوله: { { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ } [النمل: 56] وقوله: { { لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } [الشعراء: 167]، وقوله: وإذا لا يلبثون نظير قوله: { { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } [النساء: 53].
{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } الآية مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا يرومون به أمره تعالى أن يقبل على شأنه من عبادة ربه وأن لا يشغل قلبه بهم وكان قد تقدم القول في الإِلهيات والمعاد والنبّوات فأردف ذلك بالأمر بأشرف العبادات والطاعات بعد الإِيمان وهي الصلاة وتقدم الكلام في إقامة الصلاة والمواجه بالأمر الرسول صلى الله عليه وسلم قال الواحدي اللام وللسبب لأنها إنما تجب بزوال الشمس فيجب على المصلي إقامتها لأجل دلوك الشمس وقال ابن عطية هذه الآية بإِجماع المفسرين إشارة إلى الصلوات الخمس، وقال ابن عباس وغيره: دلوك الشمس زوالها، والإِشارة إلى الظهر والعصر وغسق الليل إشارة إلى المغرب والعشاء وقرآن الفجر أريد به صلاة الصبح فالآية على هذا تعم جميع الصلوات كلها وأعاد قرآن الفجر في قوله: إن قرآن الفجر ولم يأت مضمراً فيكون انه على سبيل التعظيم والتنويه بقرآن الفجر ومعنى مشهوداً أي تشهده الملائكة حفظة الليل وحفظة النهار كما جاء في الحديث أنهم يتعاقبون ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ولما أمره تعالى بإِقامة الصلاة للوقت المذكور ولم يدل أمره تعالى إياه على اختصامه بذلك دون أمته ذكر ما اختصه به تعالى وأوجبه عليه من قيام الليل وهو في أمته تطوع فقال: ومن الليل فتهجد به أي بالقرآن نافلة زيادة مخصوصاً بها أنت وتهجد هنا تفعل بمعنى الإِزالة والترك لقولهم تأثم وتحنث ترك التأثم والتحنث ومنه تحنث بغار حراء أي ترك التحنث وشرح بلازمه وهو التعبد ومن للتبعيض وعسى مدلولها في المحبوبات في الترجي والأجود أن هذه الترجية والأطماع بمعنى الوجوب من الله تعالى وهو متعلق من حيث المعنى بقوله فتهجد وعسى هنا تامة وفاعلها أن يبعثك وربك فاعل بيبعثك * ومقاماً الظاهر أنه معمول ليبعثك وهو منصوب على الظرف أي في مقام محمود ولا يجوز أن يكون ربك اسم عسى وأن يبعثك في موضع الخبر لأنه يلزم من ذلك الفصل بين العامل الذي هو أن يبعثك وبين المعمول الذي هو مقاماً بأجنبي وهو ربك الذي هو اسم عسى وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"المقام المحمود هو الذي أشفع فيه لأمتي" .
{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي } الآية لما أمره تعالى بإِقامة الصلاة وبالتهجد ووعده ببعثه مقاماً محموداً وذلك في الآخرة أمره أن يدعوه بما يشمل أموره الدنيوية والأخروية فقال: وقل رب الآية والظاهر أنه عام في جميع أموره ومصادره دنيوية وأخرويه والصدق لفظ يقتضي رفع المذام واستيعاب المدح كما تقول رجل صدق إذ هو مقابل رجل سوء * وسلطاناً أي حجة بينة ونصيرا مبالغة في ناصر.