التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
١٠٣
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٠٤
مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
١٠٥
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٠٦
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٠٧
-البقرة

النهر الماد

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ } في موضع مبتدأ وعلى مذهب المبرد في موضع الفاعل بفعل محذوف، أي ولو ثبت إيمانهم ولو هنا هي التي لما كان سيقع لوقوع غيره.
(وتجويز) الزمخشري فيها التمني بعيد جداً وجواب لو محذوف تقديره لأثيبوا وحذف جواب لو لدلالة المعنى عليه كثير، واللام في لمثوبة لام قسم، وقيل: اللام في "لمثوبة" هي الداخلة في جواب لو، والجواب هو الجملة الاسمية وهو اختيار الزمخشري. ولم يعهد في لسان العرب مجيء جواب لو جملة إسمية إلا هذا المختلف في تخريجه ولا تثبت القواعد الكلية بمثل هذا المحتمل الخارج عن النظائر والمثوبة الثواب وقرىء لَمثوبَةْ - بفتح الميم - كمشورة والتصحيح شاذ وكان القياس لمثابة.
(ح) ذو تكون بمعنى صاحب وتثني وتجمع وتؤنث وتلزم الاضافة لاسم جنس ظاهر وفي إضافتها إلى ضمير الجنس خلاف المشهور المنع ولا خلاف أنه مسموع لكن من منع ذلك خصه بالضرورة وإضافته إلى العلم المقرون به في الوضع أو الذي لا يقرن به في أول الوضع مسموع فمن الأول قولهم ذو يزن وذو جدن وذرو عين وذو الكلاع فتجب الاضافة إذ ذاك.
ومن الثاني قولهم في تبوك وعمرو وقطري ذو تبوك وذو عمرو وذو قطري والأكثران لا يعتد بلفظ ذو بل ينطق بالاسم عارياً من ذو وما جاء من إضافته لضمير العلم أو لضمير مخاطب لا ينقاس كقولهم اللهم صل على محمد وعلى ذويه وقول الشاعر:

وإنا لنرجو عاجلاً منك مثل ما رجوناه قدماً من ذويك الأفاضل

وسيبويه يذهب إلى أن وزنه فعل بفتح العين وقال الخليل فعل بسكونها واتفقوا على أنه يجمع على أفعال في التكسير قالوا اذواء وذو من الأسماء الستة التي تكون في الرفع بالواو وفي النصب بالألف وفي الجر بالياء وإعراب ذو كذا لازم بخلاف غيرها من تلك الأسماء فذلك على جهة الجواز وفيما أعربت به هذه عشرة مذاهب ذكرت في النحو وقد جاءت ذو موصولة وذلك في لغة طيء ولها احكام ولم يقع في القرآن والوصف بذو أشرف عندهم من الوصف.
{ يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } هذا أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة بالنداء الدال على الاقبال عليهم.
{ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا } هو أمر من المراعاة يقتضي المشاركة مع من يعظم غالباً أي ليكن منك رعى لنا ومنا رعى لك نهوا أن ينطقوا بلفظ يقتضي المشاركة مع من يعظم وتضمن هذا النهي. والنهي عن كل ما يكون فيه استواء مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما إن صح أن اليهود لعنهم الله كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ يقصدون به الغضّ منه عليه السلام. قال محمد بن جريررحمه الله : هي كلمة كره الله أن يخاطب بها نبيّه عليه السلام. وقرىء راعناً - بالتنوين - وخرج على أنه نعت لمصدر محذوف، أي قولاً راعناً أي: متصفاً بالرعن.
{ وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا } قراءة الجمهور موصول الهمزة مضموم الظاء والأصل في نظر البصرية ان تعدى بالى ثم يتسع فيه فيعدي بنفسه كقوله تعالى:
{ { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [الحديد: 13]. وقال الشاعر:

ظاهرت الجمال والحسن ينظرن كما تنظر الأراك الظباء

أي إلى الاراك فيكون أنظرنا من نظر العين الذي يصحبه التدبر في حال المنظور إليه وقرىء انظرنا بقطع الهمزة وكسر الظاء أي اخرفا وامهلنا حتى نتلقى عنك.
{ وَٱسْمَعُواْ } أي سماع قبول وطاعة لما نهيتم عنه وما أمرتم به.
{ وَلِلكَافِرِينَ } عام في اليهود وغيرهم ذكر أن المسلمين قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: وددنا لو كان خيراً مما نحن عليه فنتبعه فاكذبهم الله بقوله:
{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } وهم اليهود والنصارى الذين بحضرته عليه السلام.
{ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ } مشركوا العرب وغيرهم ومن للتبعيض ومن أثبت أن من لبيان الجنس قال ذلك هنا وبه قال الزمخشري: ولا المشركين معطوف على أهل الكتاب، وكونه معطوفاً على الجوار كلام لغير نحو ودخلت لا للتوكيد.
ومن في:
{ مِّنْ خَيْرٍ } زائدة تدل على استغراق الجنس وحَسُنَ زيادتها وإن كان ينزل لم يباشر حرف النفي لانسحاب النفي عليه من حيث المعنى لأنه إذا نفيت الودادة للإِنزال كان كأنه نفي لمتعلقها وهو الانزال.
ومن في: { مِّن رَّبِّكُمْ } لابتداء الغاية فيتعلق بخير، أو للتبعيض فيتعلق بمحذوف أي من خيور ربكم.
و{ يَخْتَصُّ } إن كان لازماً فمن فاعل أو متعدياً فمفعول وفي يختص ضمير يعود على الله.
والرحمة النبوة. والقرآن وهو الخير الذي لا يوده الكفار. وذو بمعنى صاحب. وقيل: والوصف به أشرف من الوصف بصاحب. والفضل عام في جميع أنواع التفضلات ولما تقدم إنزال الخير وكان من المنزل ما نسخ وحولت القبلة إلى الكعبة طعن في ذلك اليهود وقالوا: يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غداً. فنزلت:
{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } وما شرطية مفعول بننسخ. وقرىء: ننسخ من نسخ وننسخ من أنسخ والهمزة عند الفارسي للوجود كهي في أحمدت الرجل وجدته محموداً. قال: وليس نجده منسوخاً إلا بأن نسخه فتتفق القراءتان وعند الزمخشري وابن عطية الهمزة للتعدية.
قال الزمخشري: وإنساخها الأمر بنسخها بأن الأمر جبريل أن يجعلها منسوخة.
وقال ابن عطية: ما ننسخك من آية، أي: ما نبيح لك نسخه. جعل الاباحة إنساخاً. ومن في: من آية، للتبعيض وآية مفرد وقع موقع الجمع أي من الآيات، وليس: تمييزاً ولا من زائدة فتكون آية حالاً، أي: أيّ شيء ننسخ قليلاً أو كثيراً. ولا مفعولاً به. وما شرط مصدر أي: أيّ نسخ ننسخ آية.
وقرىء { أَوْ نُنسِهَا } مضارع انسى من النسيان أي أو ما ننسك من آية. وفسر النسخ بالرفع لفظاً وحكماً أو حكماً دون لفظ، وقراءة الهمزة من التأخير.
{ نَأْتِ } هو جواب الشرط.
{ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } الظاهر أن خيراً أفعل التفضيل والخيرية ظاهرة لأن المأتى به إن كان أخف من المنسوخ أو المنسوء فخيريته بالنسبة لسقوط أعباء التكليف وان كان أثقل فخيريته بالنسبة إلى زيادة الثواب.
{ أَوْ مِثْلِهَا } أي مساوٍ لها في التكليف والثواب.
{ أَلَمْ تَعْلَمْ } تقرير أي قد علمت أيها السامع. وجعله استفهاماً محضاً ومعادلة أم علمت أو أم تريدون قول من لم يذق فصاحة كلام العرب وبلاغته ووصفه تعالى بالقدرة فلا يعجزه شيء فلا ينكر النسخ لأنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا مرادّ لأمره.
{ أَلَمْ تَعْلَمْ } تقرير ثان لما ذكر صفة القدرة ذكر صفة الاستيلاء والملك. ولما ذكر هاتين الصفتين اعلم أنه تعالى لا يعجزه عما يريد شيء ولا مغالب له فيما يريد اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم أنواعاً من الاقتراحات كجعل الصفا ذهباً وتوسيع أرض مكة وغير ذلك.