التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ
١٧٧
-البقرة

النهر الماد

كانت اليهود تصلي إلى المغرب والنصارى إلى المشرق فنزل:
{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } وقبل ظرف مكان. تقول: زيد قبلك أي في المكان الذي يقابلك. ولما تقدم ذكرهم بأقبح الذكر وما يؤلون إليه في الآخرة ولم يبق لهم مما يتعلقون به إلا صلاتهم وزعمهم أن ذلك هو البر نفي ذلك عنهم وأثبت ما يكون به البر وهي الأوصاف الذي ذكرها. وقرىء البر بالنصب على أنه خبر ليس، وبالرفع على أنه اسمها. وأن تولوا الخبر، والبر اسم جامع لأنواع الخير.
{ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ } قرىء بتشديد نون لكن، ونصب البر وبالتخفيف والرفع، والبر ليس نفس من آمن فهو على حذف من الأول أي: ولكن ذو البر، أو من الثاني أي: بر من آمن، أو جعل البر نفس من آمن مبالغة.
{ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } الآية وهذه أركان الايمان كما جاء في الحديث
"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" ، واليهود أخلوا بالإِيمان بالله لتجسيمهم. وقولهم: عزير بن الله، والنصارى بقولهم: المسيح ابن الله والنصارى أنكروا المعاد الجسماني، واليهود قالوا: لن تمسنا النار وعادوا جبريل عليه السلام والنصارى واليهود أنكروا القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
{ وَآتَى ٱلْمَالَ } واليهود أبخل العالم وأحرصهم بإِلقاء الشبه لأخذ الأموال.
{ عَلَىٰ حُبِّهِ } أي على حب المؤتي المال وهذا من أعظم المدح أن تتعلق نفس بشيء فتبذله طاعة الله.
{ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } بدأ بالأهم لأنها صدقة وصلة ثم باليتامى إذ ليس لهم من يقوم بأودهم. وفي الحديث:
"أنا وكافل اليتم كهاذين في الجنة" . ثم بالمساكين لأن الحاجة قد تشتد بهم ثم بابن السبيل لأنه منقطع به عن أهله ثم بالسائلين لأن حاجتهم دون حاجة من تقدم لأنه عرض نفسه للسؤال.
{ وَفِي ٱلرِّقَابِ } وهم الذين يعانون في فك رقابهم من مكاتب وأسير.
{ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ } معطوف على من آمن أو على القطع أي وهم الموفون والعامل في إذ الموفون أي لا يتأخر إبقاؤهم بالعهد عن وقت إيقاعه. وقرىء والموفين نصباً على المدح.
{ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ } قرىء رفعاً ونصباً. والبأساء: الشدة كالفقر والقتال. والضر: ما يضر من زمانة وغيرها.
{ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } أي وقت شدة القتال واضطرام الحرب.
{ أُولَـٰئِكَ } إشارة إلى:
{ ٱلَّذِينَ } جمعوا هذه الأوصاف الذين { صَدَقُواْ } في أقوالهم وأحوالهم كان قوم من العرب أقوياء أعزاء لا يقتلون بالعبد منهم إلا سيداً ولا بالمرأة إلا رجلاً.