التفاسير

< >
عرض

فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٠٩
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ
٢١٠
سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢١١
-البقرة

النهر الماد

{ فَإِن زَلَلْتُمْ } باتباع الشيطان في كفر أو معصية. وقرىء: زللتم بفتح اللام وبكسرها.
{ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } وهي حجج الله ودلائله التي أوضحها في كتابه وعلى لسان رسوله.
{ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } لا يغالب.
{ حَكِيمٌ } فيما يرتبه من الزواجر لمن خالف وفي ذلك وعيد شديد وأمرهم بأن يعلموا تنبيه لهم على ما قد يغفل العاصي عن وصفه تعالى بهاتين الصفتين.
{ هَلْ يَنظُرُونَ } أي هل ينتظرون. والمعنى على النفي ولذلك دخلت إلا في قوله:
{ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ } والإِتيان حقيقة في الانتقال من حيّز إلى حيّز وذلك مستحيل بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى وهو إتيان على ما يليق به سبحانه من غير انتقال إذ هو تعالى ليس في مكان، أو يكون على حذف مضاف وهو الذي صرح به في قوله: أو يأتي أمر ربك. وهو عبارة عن بأسه وعذابه. ويدل على هذا المحذوف قوله:
{ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } يستحيل أنه يحل سبحانه وتعالى في ظلل. وقد قيل الضمير في ينظرون لليهود وهم مشبّهة. ويدل عليه قوله بعد: سل بني إسرائيل، والمعنى أنهم لا يقبلون ما دعوا إليه من الاسلام واتباع الرسول إلا بأن يأتيهم الله تعالى. وقرىء في ظلل وفي ظلال الأول جمع منقاس، والثاني لا ينقاس.
وقرىء { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ } بالرفع عطفاً على الجلالة وبالجر عطفاً على في ظلل أو على من الغمام.
{ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } قد يستروح من هذا ذلك المحذوف المقدر وهو أمر ربك وقضاء الأمر عبارة عن الجزاء والفراغ من الحساب. وقرىء: وقضاء ممدوداً بضم الهمزة وجرها. وقرىء: وقضى الأمر جمعاً. وقرىء: يرجع بالياء مبنياً للفاعل وبالتاء والياء مبنياً للمفعول.
{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } الخطاب للرسول عليه السلام أو لكل أحد. وقرىء اسأل واسأل لم يعتد بنقل الحركة فتحذف همزة الوصل. وقراء الجمهور سلْ فاحتمل النقل وحذف همزة الوصل. واحتمل أن يكون على لغة سأل يسأل: حكاها سيبويه.
{ كَمْ آتَيْنَاهُم } سؤال تقريع وتكرير لما آتاهم من البينات ومع ذلك ما أحْمَدتْ عندهم. وكم في موضع نصب على المفعول الثاني لآتيناهم ومن آية تمييز لكم وعلى هذا لا يجوز ما أجاز ابن عطية من أن كم منصوبة بفعل مضمر يفسره ما أجاز ابن عطية من أن كم منصوبة بفعل مضمر يفسره الظاهر التقدير كم آتيناهم، لأن الضمير في آتيناهم ليس عائداً على كم ولا هو سببي ونظير ما أجاز أن تقول: الدرهم أعطيت زيداً، فتنصب الدرهم بفعل مضمر، وأعطيت ليس فيه ضمير يعود على الدرهم ولا سببي ويترك نصبه بأعطيت المفرغ له وكذلك: زيداً ضربت ينصب زيداً بفعل محذوف، وضربت مهيأ للعمل فيه. وأجاز أيضاً أن تكون كم مبتدأة وحذف الضمير العائد عليها والتقدير آتينا هموماً وهذا عند البصريين لا يجوز إلا في الشعر أو شاذ من القراءات. وكم آتيناهم في موضع المفعول الثاني لسل، وسل معلقة كما قال: سائل بني أسد ما هذه الصوت. وأجاز الزمخشري أن تكون كم خبرية وفي جعلها خبرية اقتطاع للجملة التي هي فيها من جملة السؤال ويصير الكلام مفلّتاً عما قبله وأنت ترى مصب السؤال على هذه الجملة ولا يكون ذلك إلا مع الاستفهام ومن آية تمييز لكم. وأجاز ابن عطية أن يكون "من آية" مفعولاً، ومن: زائدة، والتمييز: محذوف. وفي جواز مثل هذا التركيب نحو: كم درهم أعطيت من رجل نظر. والآيات البينات ما تضمنته التوراة والانجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقيق نبوته وتضمن ما جاء به ومعجزاته.
{ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } هي الآيات وأي نعمة أجل منها.
على ما الموصولة والهاء في أوتوه. عائدة على الكتاب والذين أوتوه هم إبان العلم به والدراسة له وخصهم بالذكر تشنيعاً وتقبيحاً للذي فعلوه من الاختلاف.
{ { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ } [البقرة: 213] أي في الكتاب وهي سبب الهداية ومن عام فيدخل فيه كفار قريش وحذف حرف الجر من نعمة. والمفعول الثاني لدلالة المعنى عليه، والتقدير: ومن يبدل نعمة الله كفراً. ودل على ذلك ترتيب جواب الشرط عليه وجواب الشرط لدلالة ما بعده عليه تقديره يعاقبه أو يقدر ضمير أي شديد العقاب له أو تنوب ال عن الضمير على مذهب من يرى ذلك أي شديد عقابه.