التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢١٩
فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٠
-البقرة

النهر الماد

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } الخمر: هو المعتصر من العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد. والميسر: القمار، مفعل من يسر ييسر وهو عشرة أقداح وهي الأزلام لسبعة منها خطوط وفيها فروض على عدة الخطوط الفذ وله سهم واحد، والتوأم له سهمان، والرقيب له ثلاثة، والحلس له أربعة، والنافس وله خمسة، والمسبل وله ستة، والمعلا وله سبعة، وثلاثة اغفال لا خطوط لها وهي المنيح والسفيح والوعد بزاد هذه لتكثر السهام وتختلط على الحرضة وهي الضارب بالقداح فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلاً وهو رجل عدل عندهم، ثم يبحثوا الضارب على ركبتيه ويلتحف بثوب ويخرج رأسه ويجعل تلك القداح في الربابة وهي خريطة ثم يخلخلها ويدخل يده ويخرج باسم رجل قدحاً منها، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح، ومن خرج له قدح من تلك الثلاثة لم يأخذ شيئاً وغرم ثمن الجزور كله. وكانت عادة العرب أن تضرب بهذه القداح في الشتوة وضيق العيش وكلب البرد على الفقراء فيشترون الجزور، ويضمن الانسان ثمنه، ثم تنحر ويقسم على عشرة أقسام وأيهم خرج له نصيب وأسى به الفقراء ولا يأكل منه شيئاً ويفتخرون بذلك، ويسمون من لم يدخل فيه البرم ويذمونه بذلك. سأل عمر ومعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا يا رسول الله افتنا في الخمر والميسر فإِنها مذهبة للعقل مَسْلبة للمال. فنزلت: ولما كان الخمر والميسر من مصارف المال ومع مداومتها قل ان يبقى مال فيتصدق به أو يجاهد به سألوا عن ذلك قيل:
{ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وهذا يدل على أن تعاطيها من الكبائر وذلك بعد التحريم.
{ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } قبل التحريم والاثم هو الذنب الذي يترتب عليه العقاب مع ما جاء في الخمر من ذهاب العقل والسباب والافتراء والتعدي والمنفعة التي فيها ما يحصل من الأرباح والاكساب وذهاب الهم وحصول الفرح. وقد ذكر الأطباء منافعها ومضارها والمنفعة التي في الميسر التوسعة على المحاويج وبعد الصيت بذلك، وقرىء كبير بالباء وبالثاء.
{ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } وهو ما يقترفون فيهما من الاثم.
{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } تقدم هذا السؤال وأجيبوا بالمصرف وأجيبوا هنا بذكر المقدار والعفو ما فضل عما يحتاج إليه من يمونه ويسهل عليه.
وقرىء { قُلِ ٱلْعَفْوَ } بالنصب على تقدير ماذا مفعولاً وبالرفع على تقديره مبتدأ وخبراً فطابق الجواب السؤال في القرآتين وإن كان يجوز عدم التطابق والرفع على إضمار مبتدأ، أي المنفق العفو، وتقدير ابن عطية: قل العفو إنفاقكم ليس بجيد، لأنه أتى بالمصدر وليس السؤال على المصدر. قال ابن عطية: ورفع العفو مع نصب ماذا جائز ضعيف وكذلك نصبه مع رفعها. "انتهى" وليس كما قال: بل هو جائز وليس بضعيف.
والاشارة في { كَذٰلِكَ } إلى الأقرب من تبيينه حكم الخمر والميسر والانفاق القريب ذكره والآيات العلامات والدلائل.
{ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } ترجية للتفكر يحصل عند تبيين الآيات.
{ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } متعلق بتتفكرون، أي في أمر الدنيا والآخرة. وكانوا في الجاهلية يتحرجون من مخالطة اليتامى في مأكل ومشرب ويتجنبون أموالهم. فنزلت:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } والاصلاح بتعليمه وتأديبه والنظر في تنمية ماله وحفظه. وإصلاح؛ مبتدأ وهو نكرة لوجود المسوغ من كون لهم متعلقاً به أو في موضع الصفة وهو مصدر حذف فاعله وخير: خير. وخير شامل للإِصلاح المتعلق بالفاعل والمفعول والخيرية للجانبين معاً وإن إصلاحهم لليتامى خير للمصلح والمصلح يتناول حال اليتيم والكفيل.
{ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } التفات من الغيبة إلى الخطاب أي فإِخوانكم في الدين فينبغي أن تنظروا لهم كما تنظرون لإِخوانكم من النسب من الشفقة والتلطف والاصلاح لذواتهم وأموالهم. والمخالطة: من الخلط، وهو الامتزاح. والمعنى في المأكل فيجعل نفقة اليتيم مع نفقة عياله بالتحري إذ يعسر أفراد نفقته بطعامه فلا يجد بداً من خلطه بما له لعياله فرخص لهم في ذلك. وكذا: أي مخالطة يكون لليتيم فيها اصلاح من مطعم أو مسكن أو متاجرة أو مشاركة أو مضاربة أو مصاهرة أو غير ذلك. وجواب الشرط فإِخوانكم أي فهم إخوانكم. وقرىء فإِخوانكم بالنصب أي فتخالطون إخوانكم.
{ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } جملة تحذير والمعنى أنه يجازي كلاً منهما على الوصف الذي قام به. وألْ فيهما للاستغراق ومن معناها هنا الفصل وضمن يعلم معنى يميز فعدي بمن.
{ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } أي لأحرجكم وشدد عليكم في كفالة اليتامى. وقرىء بتحقيق الهمزة وتليينها وطرحها بالقاء حركتها على اللام بعد تقدير خلو اللام من الحركة وجعل قراءة طرح الهمزة وهما أبو عبد الله نصر بن علي بن مريم وهذه الجملة تذكير بإِحسان الله وإنعامه على أوصياء اليتامى إذ أزال أعناتهم في مخالطتهم والنظر في أحوالهم وأموالهم.