التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
٨١
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً
٨٢
وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً
٨٣
-النساء

النهر الماد

{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } ارتفع طاعة على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أمرنا طاعة أي لك. وقرىء بإدغام التاء من بيّت في الطاء وبإِظهارها.
{ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ } من قولهم أمرنا طاعة وهم في حال تبييتهم يبغون ذلك الغوائل ويتكلمون بغير الطاعة.
{ وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ } كناية عن مجازاتهم على ما بيتوا للرسول صلى الله عليه وسلم من السوء.
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } وقرىء يدبّرون بإِدغام التاء في الدال، والمعنى أفلا يتأملون ما نزل عليك من الوحي ولا يعرضون عنه فإِنه في تدبره يظهر برهانه. والضمير في فيه: عائد على القرآن. ووجه هذا الدليل أنه ليس من متكلم كلاماً طويلاً إلا وجد في كلامه اختلاف كثير إما في الوصف واللفظ، وإما في المعنى بتناقض أخبار، أو الوقوع على خلاف المخبر به، أو اشتماله على ما لا يلائم ولا يلتئم أو كونه تمكن معارضته. والقرآن العظيم ليس فيه شيء من ذلك. وقد رد محمد بن المستنير الملقب بقطرب على الملاحدة الذين طعنوا في القرآن وزعموا أن فيه تناقضاً رد عليهم في كتاب كبير صنفه بين فيه جهل الملاحدة بلسان العرب وبعد إفهامهم عن فصاحة الكلام وبلاغته وصحة معناه.
{ وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية من السرايا فغلبت أو غلبت تحدثوا بذلك وأفشوه ولم يصبروا حتى يكون هو المحدث به، فنزلت:
{ وَلَوْ رَدُّوهُ } أي الأمر إلى اعلام الله والرسول.
{ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ } أي يستخرجونه ويكشفون عن حقيقة بإِعلام الرسول لهم ثم انتقل إلى الكلام عن المنافقين إلى خطاب عام وهو قوله تعالى:
{ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } الآية، ودلت على كثرة اتباع الشيطان وقلة من لا يتبعه ولذلك جاء الاستثناء بقوله:
{ إِلاَّ قَلِيلاً }. قال ابن عطية: أي لا تبعتم الشيطان كلكم إلا قليلاً من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها. "انتهى". فسره في الاستثناء بالمتّبع فيه فيكون استثناء من المتّبع فيه المحذوف لا من الاتباع ويكون استثناء مفرغاً والتقدير لا تبعتم الشيطان في كل شيء إلا قليلاً من الأشياء فلا تتبعونه فيه فإِن كان ابن عطية شرح من حيث المعنى فهو صحيح لأنه يلزم من استثناء الاتباع القليل أن يكون المتبع فيه قليلاً وإن كان شرح من حيث الصناعة النحوية فليس بجيد لأن قوله: إلا اتباعاً قليلاً لا يرادف إلا قليلاً من الأمور كنتم لا تتبعونه فيها. "انتهى".
وقال قوم: قوله: إلا قليلاً، عبارة عن العدم يريد لاتبعتم الشيطان كلكم، قال ابن عطية: هذا قول قلق وليس يشبه ما حكى سيبويه من قولهم: أرض قل ما تنبت كذا، بمعنى لا تنتبه لأن اقتران القلة بالاستثناء يقتضي حصولها ولكن ذكره الطبري. "انتهى".
وهذا الذي ذكره ابن عطية صحيح ولكن قد جوزه هو في قوله تعالى:
{ { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 46] ولم يقلق عنده هناك ولا رده وقد رددناه عليه هناك فيطالع ثمة.