التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
٩٤
لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً
٩٥
دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٩٦
-النساء

النهر الماد

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية، ذكروا أشياء في نزول هذه الآية فضمنها أنه ظهر لهم رجل اعتقدوه كافراً فتلفظ بما يدل على إسلامه من كلمة الشهادة أو غيرها فقتلوه فنزلت. ومناسبتها لما قبلها أنه لما توعد من قتل مؤمناً متعمداً بما وعد أمر بالتثبت في قتل من يظن به أنه كافر وقد أعلم بظهور الاسلام. وقرىء فتثبتوا وفتبينوا في الموضعين وفي الحجرات.
{ فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } هذه عدة بما يسن الله تعالى لهم من الغنائم على وجهها من حل دون ارتكاب محظور بشبهة وغير تثبت وفي الكلام حذف تقديره لست مؤمناً فتقتلوه تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والكاف في كذلك للتشبيه أي كنتم مثل الذي ألقى إليكم السلم فمنّ الله عليكم بالإِسلام.
{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ } الآية، نزلت من أجل قوم كانوا إذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود والتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما غير أولي الضرر فسببها قول ابن أم مكتوم كيف بمن لا يستطيع الجهاد ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما رغب المؤمنين في القتال في سبيل الله أعداء الله الكفار قسمهم إلى قاعد ومجاهد، وذكر عدم التساوي بينهما. وقرىء غير بالرفع صفة لقوله: القاعدون أو بدل منه وبالجر صفة لقوله: من المؤمنين، وبالنصب على الاستثناء، كأنه قال: إلا أولي الضرر فهو استثناء من القاعدون. وقيل: استثناء من قوله: من المؤمنين، وقيل: انتصب على الحال.
{ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ } الآية، الظاهر أن المفضل عليهم هم القاعدون غير أولي الضرر لأنهم هم الذين نفى التسوية بينهم فذكر ما امتازوا به عليهم وهو تفضيلهم عليهم بدرجة فهذه الجملة بيان للجملة الأولى جواب سؤال مقدر كأن قائلاً قال: ما لهم لا يستوون؟ فقيل: فضل الله المجاهدين والمفضل عليهم هنا درجة هم المفضل عليهم. أخيراً درجات وما بعدها وهم القاعدون غير أولي الضرر وتكرار التفضيلين باعتبار متعلقهما، فالتفضيل الأول بالدرجة هو ما يؤتى في الدنيا من الغنيمة والتفضيل الثاني هو ما يخولهم في الآخرة فنبه بإِفراد الأول وجمع الثاني على أن ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير، وقيل: المجاهدون تتساوى رتبهم في الدنيا بالنسبة إلى أحوالهم كتساوي القائلين بالنسبة إلى آخذ سلب من قتلوه وتساوى نصيب كل واحد من الفرسان ونصيب كل واحد من الرجال، وهم في الآخرة متفاوتون بحسب إيمانهم فلهم درجات بحسب استحقاقهم، فمنهم من يكون له الغفران، ومنهم من يكون لهم الرحمة فقط. فكان الرحمة أدنى المنازل والمغفرة فوق الصحة ثم بعد الدرجات على الطبقات وعلى هذا نبه بقوله: هم درجات عند الله ومنازل الآخرة تتفاوت.