التفاسير

< >
عرض

فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ
٢٢
أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ
٢٣
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ
٢٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ
٢٥
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ
٢٦
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ
٢٧
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ
٢٨
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
٢٩
وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ
٣٠
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ
٣١
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ
٣٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ
٣٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ
٣٤
فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
٣٥
إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ
٣٦
إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ
٣٧
هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم
٣٨
-محمد

النهر الماد

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ } التفات للذين في قلوبهم مرض أقبل بالخطاب إليهم على سبيل التوبيخ لهم وتوقيفهم على سوء مرتكبهم وعسى تقدم الخلاف في لغتها وفصل بين عسى وخبرها بالشرط وهو.
{ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } لعدم معونة أهل الإِسلام على أعدائهم.
{ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } تقطعوا ما بينكم وبينهم من صلة الرحم.
{ أَوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى مرض القلوب.
{ فَأَصَمَّهُمْ } عن استماع الموعظة.
{ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } عن طريق الهدى.
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } أي يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة وهو استفهام توبيخ وتوقيف على مخازيهم.
{ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } إستعارة للذين منعهم الإِيمان وأم منقطعة بمعنى بل والهمزة للتقرير والتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يصل إليها ذكر.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ } قال ابن عباس وغيره نزلت في منافقين كانوا أسلموا ثم نافقت قلوبهم والآية تتناول كل من دخل في لفظها.
{ سَوَّلَ لَهُمْ } تقدم الكلام عليه في يوسف وسوّل لهم ركوب العظائم من السول وهو الاسترخاء.
قال الزمخشري: وقد اشتقه من السؤل من لا علم له بالتصريف والاشتقاق جميعاً "انتهى".
وهذا ليس بجيد لأنه توهم أن السول أصله الهمز فاختلفت المادتان إذ عين سول واد وعين السؤل همزة والسول له مادتان أحدهما الهمز من سأل يسأل والثانية: الواو من سال يسال فإِذا كان هكذا فسول يجوز أن يكون من ذوات الواو لا من ذوات الهمز.
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ } روي أن قوماً من قريظة والنضير كانوا يعدون المنافقين في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلاف عليه بنصرة ومؤازرة وذلك قولهم سنطيعهم في بعض الأمر أي في بعض ما تأمرون به أو في بعض الأمر الذي يهمكم.
{ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } قالوا ذلك سراً فيما بينهم فأفشاه الله تعالى عليهم.
{ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } الضمير على من تقدم ذكره من الكفار كيف استفهام وبعده مبتدأ محذوف وكيف خبره تقديره كيف حالهم إذا توفتهم والظاهر أن وقت التوفي هو عند الموت. وقال ابن عباس: لا يتوفى واحد على معصية إلا بضرب من الملائكة في وجهه وفي دبره والملائكة ملك الموت والمصرفون معه ويضربون حال من الملائكة.
{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } الآية إخراج أضغانهم وهو حقودهم إبرازها للرسول وللمؤمنين والظاهر أنها من رؤية البصر لعطف العرفان عليه وهو معرفة القلب وفي هاتين الجملتين تقريب لشهرتهم لكنه لم يعينهم بأسمائهم إبقاء عليهم وعلى قراباتهم.
{ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } كانوا يصطلحون فيما بينهم على ألفاظ يخاطبون بها الرسول عليه السلام مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح كقولهم: راعنا.
{ أَعْمَالَكُمْ } خطاب عام يشمل المؤمن والكافر.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ناس من بني إسرائيل.
{ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } وتبين هداهم معرفتهم بالرسول عليه السلام من التوراة.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } قيل نزلت في بني أسد أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد آثرناك وجئناك بأنفسنا وأهلنا كأنهم منوا عليه بذلك فنزلت فيهم هذه الآية وقوله تعالى:
{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } [الحجرات: 17] فعلى هذا يكون لا تبطلوا أعمالكم بالمن بالإِسلام والرياء والسمعة والشرك والنفاق.
و{ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } عام والموجب لانتفاء الغفران وفاتهم على الكفر وقيل نزلت
"بسبب عدي بن حاتم رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه قال: وكانت له افعال بر فما حاله فقال: في النار فبكى عدي وولي فدعاه فقال له أبي وأبوك وأبو إبراهيم خليل الرحمن في النار" فنزلت.
{ فَلاَ تَهِنُواْ } أي تضعفوا.
{ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } وهو الصلح.
{ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } أي الأغلبون.
{ وَلَن يَتِرَكُمْ } أي يعريكم من ثواب أعمالكم.
{ إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } تحقير لأمر الدنيا أي فلا تهنوا في الجهاد وأخبر عنها بذلك.
{ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } أي ثواب أعمالكم من الإِيمان والتقوى.
{ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } أي كثير من أموالكم إنما يسألكم ربع العشر فطيبوا أنفسكم.
{ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا } أي جميعها.
{ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ } كررها التنبيه توكيداً.
{ وَمَن يَبْخَلْ } أي بالصدقة وما أوجب الله عليه.
{ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } أي لا يتعدى ضرره لغيره.
{ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } مطلقاً.
{ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } مطلقاً لافتقاركم إلى ما تحتاجون إليه في الدنيا.
{ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } عطف على تؤمنوا وتتقوا أي وان تتولوا عن الإِيمان والتقوى.
{ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } أي يخلق قوماً سواكم راغبين في الإِيمان والتقوى غير متولين عنهما.
{ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } أي في الخلاف والتولي والبخل.