التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
٤١
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٤٢
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٣
-المائدة

النهر الماد

{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } الآية، سبب نزولها أن يهودياً زنا بيهودية فرفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأنكر اليهود ذلك وزعموا أن التوراة ليس فيها الرجم فأتي بها فوجد فيها الرجم فافتضحوا.
{ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } الآية، هم المنافقون. و{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } يراد به اليهود. والمعنى على هذا لا تهتم بمسارعة المنافقين في الكفر واليهود أي بإِظهار ما يلوح له من آثار الكفر وهو كيدهم للإِسلام وأهله فإِن الله ناصرك عليهم ومسارعتهم في الكفر وقوعهم وتهافتهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطؤها وتكون من الأولى والثانية على هذا تبييناً وتقسيماً للذين يسارعون في الكفر، فيكون قوله: ومن الذين هادوا. معطوفاً على قوله: { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ }. ويجوز أن يكون ومن الذين هادوا، استئناف كلام فلا يكون معطوفاً على قوله: من الذين قالوا. وسماعون مبتدأ أي قوم سماعون، ومن الذين هادوا خبره. { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } قيل: انهم أهل فدك كانت اليهود تستمع منهم. وقيل: غيرهم.
{ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ } أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعة التي وصفها الله فيها. قال ابن عباس والجمهور: هي حدود الله في التوراة وذلك أنهم غيّروا الرجم أي وضعوا الجلد مكان الرجم.
{ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا } إشارة إلى ما حرفوه من تبديل الرجم بالتحميم والجلد، أي إن حكم عليكم بهذا فخذوه أي فاقبلوه وإن لم تعطوا ما تحكمون به من التحميم والجلد فاحذروا أي فلا تقبلوا.
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } تأكيد لما قبله. { أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } أي الرشا وهو المال الذي يأخذونه على تبديل أحكام الله تعالى وتحريفها. { فَإِن جَآءُوكَ } الآية، يعني للحكم بينهم فخير الله تعالى نبيه بين الحكم بينهم والإِعراض عن الحكم.
{ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ } الآية، هذا تعجيب من تحكيمهم إياه مع أنهم لا يؤمنون به ولا بكتابه وفي كتابهم الذين يدعون الإِيمان به حكم الله نص جلي فليسوا قاصدين حكم الله حقيقة وإنما قصدوا بذلك أن يكون عنده صلى الله عليه وسلم رخصة فيما تحاكموا إليه فيه اتباعاً لأهوائهم وانهماكاً في شهواتهم، ومن عدل عن حكم الله في كتابه الذي يدعي أنه مؤمن به إلى تحكيم من لم يؤمن به ولا بكتابه فهو لا يحكم إلا رغبة فيما يقصده من مخالفة كتابه. وإذا خالفوا كتابهم لكونه ليس على وفق شهواتهم فلأن يخالفوك إذا لم توافقهم أولى وأحرى والواو في "وعندهم" للحال وعندهم التوراة مبتدأ وخبر وفيها حال من التوراة وارتفع حكم على الفاعلية بالجار والمجرور أي كائناً فيها حكم الله.
{ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } قال ابن عطية: أي من بعد كون حكم الله في التوراة في الرجم وما أشبهه من الأمور التي خالفوا فيها أمره تعالى. "انتهى". وهذه الجملة مستأنفة أي ثم هم يتولون بعد ذلك وهي أخبار من الله تعالى بتوليهم على عادتهم في أنهم إذا وضح لهم الحق أعرضوا عنه. { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } أي من ترك حكم كتابه وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منتف عنه الإِيمان حقيقة. وانتصاب كيف على الحال وهو استفهام لا يراد به حقيقته بل التعجب من حالهم كيف علموا حكم الله في كتابهم وحكم الرسول عليه السلام.