التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
١٥٩
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١٦١
قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦٢
لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٦٣
قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
١٦٤
وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٦٥
-الأنعام

النهر الماد

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } وقرىء: فارقوا وفرقوا دينهم.
{ وَكَانُواْ شِيَعاً } كاليهود افترقوا على قرابين وربانيين وسحرة، وكالنصارى افترقوا على ملكية ويعقوبية ونسطورية، وأهل الضلال من هذه الأمة وأصحاب البدع وأهل الأهواء منهم كالخوارج وهم طوائف.
{ لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } هو إخبار عن المباينة التامة والمباعدة كقول النابغة:

إذا حاولت في أسد فجورا فإِني لستُ منك ولستَ مني

{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } الآية، روى أبو سعيد الخدري وابن عمر أنها نزلت في الاعراب، الذين آمنوا بعد الهجرة، ضوعفت لهم الحسنة بعشر وضوعفت للمهاجرين بسبعمائة. "انتهى". ولما ذكر حال من فارق دينه ورتب عليه أن الله ينبئه بما فعل وذكر المجازاة. والظاهر عموم من جاء وعموم الحسنة وحصر العدد فيما ذكر، فأيّ شخص مّا جاء بحسنة ما جوزي عليها بعشر أمثالها، ومن جاء بسيّئة جوزي بمثلها. وقرىء: عشر أمثالها على الإِضافة. وقرىء: عشر أمثالها. فأمثالها صفة لعشر والضمير في أمثالها عائد على الحسنة.
{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ } الآية، أمره تعالى بالاعلان بالشريعة ونبذ ما سواها، ووضعها بأنه طريق مستقيم لا عوج فيها وهو إشارة إلى قوله تعالى:
{ { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 153].
انتصب: { دِيناً قِيَماً } ديناً قيماً على إضمار فعل تقديره هداني ديناً قيماً، ودل على ذلك قوله: قبل هداني ربي، وتعدى هدى تارة بإِلى كقوله: إلى صراط، وتارة بنفسه إلى مفعول ثان كقوله تعالى:
{ { وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الصافات: 118]. وقرىء قيماً وتقدم توجيهه في أوائل سورة النساء. وقرىء: قيماً كسيد وفي كلتا القراءتين هو وصف لقوله: ديناً.
و{ مِّلَّةَ } بدل من قوله: ديناً.
و{ حَنِيفاً } حال. وتقدم نظير ذلك في البقرة.
{ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } نعي عليهم في اتخاذهم آلهة وإشراكهم مع الله تعالى. وإبراهيم عليه السلام بريء من ذلك كله، فكان يجب عليهم اتباع أبيهم إبراهيم إذ هو النبي المجمع وعلى تعظيمه من سائر الطوائف.
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي } ظاهره العموم من الصلاة المفروضة وغيرها.
{ وَنُسُكِي } قال ابن عباس: هي الذبائح التي تذبح لله تعالى وجمع بينهما كما جمع بينهما في قوله تعالى:
{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } [الكوثر: 2].
معنى: { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ } أنه لا يملكهما إلا الله.
{ لاَ شَرِيكَ لَهُ } عام والإِشارة بذلك الظاهر أنه إلى قوله: قل انني هداني ربي، الآية. الألف واللام في المسلمين للعهد، ويعني به هذه الأمة، لأن إسلام كل نبي سابق على إسلام أمته لأنهم منه يأخذون شريعته.
{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إرجع يا محمد إلى ديننا، واعبد آلهتنا، واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل ما تحتاج إليه في دنياك وآخرتك فنزلت هذه الآية. والهمزة: للإِستفهام، ومعناه الإِنكار والتوبيخ وهو رد عليهم إذ دعوه إلى آلهتهم، والمعنى أنه كيف يجتمع لي دعوة غير الله تعالى رباً وغيره مربوب له.
{ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ } تقدم الكلام عليها في البقرة.
{ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ } والتنبئة عبارة عن الجزاء والذي اختلفوا فيه هو من الأديان والمذاهب يجازيكم بما ترتب عليه من الثواب والعقاب، وسياق هذه الجمل سياق الخبر، والمعنى على الوعيد والتهديد.
{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } أذكرهم تعالى بنعمة عليهم إذ كان النبي المبعوث، وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فأمته خلفت سائر الأمم ولا تجيء بعدها أمة تخلفها إذ عليهم تقوم الساعة. ورفع الدرجات هو بالشرف في المراتب الدنيوية والعلم وسعة الرزق.
و{ لِّيَبْلُوَكُمْ } متعلق بقوله: ورفع.
{ فِي مَآ آتَاكُمْ } من ذلك جاهاً ومالاً وعلماً وكيف يكونون في ذلك.
{ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لما كان الابتلاء به يظهر المسيء والمحسن والطائع والعاصي ذكر هذين الوصفين وختم بهما، ولما كان الغالب على فواصل الآي قبلها هو التهديد بدأ بقوله: سريع العقاب، يعني لمن كفر ما أعطاه الله تعالى وسرعة عقابه إن كان في الدنيا فالسرعة ظاهرة وإن كان في الآخرة، فوصف بالسرعة لتحققه إذ كل ما هو آت آت ولما كانت جهة الرحمة أرجى أكد ذلك بدخول اللام في الخبر، ويكون الوصفين بنيا بناء المبالغة ولم يأت من جهة العقاب بوصفه بذلك، فلم يأت ان ربك معاقب وسريع العقاب من باب الصفة المشبهة.
والله الموفق للصواب.