التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٨٠
وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٨١
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨٢
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
١٨٣
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
١٨٤
أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
١٨٥
مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١٨٦
-الأعراف

النهر الماد

{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } الآية قال مقاتل: دعا رجل الله تعالى في صلاته ومرة دعا الرحمن. فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو اثنين فنزلت. ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أنه ذرأ كثيراً من الإِنس والجن للنار ذكر نوعاً منهم وهم الذين يلحدون في أسمائه وهم أشد الكفار عتياً أبو جهل وأضرابه. والحسنى هنا تأنيث الأحسن ووصف الجمع المكسر الذي لا يعقل بما وصف به الواحد كقوله تعالى: { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18]، وهو فصيح ولو جاء على المطابقة للجمع لكان التركيب الحسن على وزن الآخر كقوله تعالى: { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 184] لأن جمع ما لا يعقل يخبر عنه ويوصف بجمع المؤنثات وإن كان المفرد مذكراً. قال ابن عطية: والأسماء هنا بمعنى التسميات إجماعاً من المتأولين لا يمكن غيره. "انتهى". ولا تحرير فيما قال لأن التسمية مصدر والمراد هنا الألفاظ التي تطلق على الله تعالى وهي الأوصاف الدالة على تغاير الصفات لا تغاير الموصوف كما تقول: جاء زيد الفقيه الشجاع الكريم، وكون الاسم الذي أمر تعالى أن يدعي به حسناً هو ما قدره الشرع ونص عليه في إطلاقه على الله تعالى. ومعنى فادعوه بها، أي نادوه بها كقوله: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مالك، وما أشبه ذلك. يقال: لحد وألحد بمعنى واحد لغتان وهو العدول عن الحق والإِدخال فيه ما ليس منه. قال ابن السكيت: ومعنى يلحدون في أسمائه أي يقولون بجهلهم يا أبا المكارم يا أبيض الوجه يا سخي وغير ذلك من الأسماء التي لم يثبت في الشرع إطلاقها على الله تعالى.
و{ سَيُجْزَوْنَ } وعيد شديد.
واندرج على قوله:
{ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الإِلحاد في أسمائه وسائر أفعالهم القبيحة.
{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ } الآية لما ذكر تعالى من ذرأه للنار ذكر مقابلهم وفي لفظة وممن دلالة على التبعيض وان المعظم من المخلوقين ليسوا هداة إلى الحق ولا عاد ليمن به.
{ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } قال أبو عبيدة: الاستدراج، أن تدرج إلى الشىء في خفية قليلاً قليلاً ولا تهجم عليه وأصله من الدرجة وذلك أن الرامي والنازل يرقى وينزل مرقاة مرقاة، ومنه درج الكتاب طواه شيئاً بعد شىء، ودرج القوم ماتوا بعضهم في أثر بعض.
{ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } قيل: بالاستدراج أو بالهلاك. وقال الأعشى في الاستدرج:

فلو كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم
ليستدرجنك القول حتى تهزه وتعلم أني عنكم غير فهم

{ وَأُمْلِي لَهُمْ } معطوف على سنستدرجهم فهو داخل في الاستقبال وهو خروج من ضمير المتكلم بنون العظمة إلى ضمير تكلم المفرد والمعنى أؤخره حلاوة من الدهر أي مدة فيها طول. والملاوة بفتح الميم وضمها وكسرها ومنه واهجرني ملياً أي طويلاً وسمي فعله ذلك بهم كيداً لأنه شبيه بالكيد من حيث أنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان والمتين من كل شىء القوي. يقال: متن متانة.
{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } قال الحسن وقتادة: سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد ليلة على الصفا فجعل يدعو قبائل قريش يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم ويدعوهم إلى الله تعالى، فقال بعض الكفار حين أصبحوا: هذا مجنون بات يصوت إلى الصباح. وكانوا يقولون: شاعر مجنون، فنفى الله عز وجل عنه ما قالوه ثم أخبر أنه محذر من عذاب الله. والآية باعثة لهم على التفكر في أمره عليه السلام وانتفاء الجنة عنه وهذا الاستفهام قيل معناه التوبيخ. وقيل: معناه التحريض على التأمل، والجنة: الجن، والمعنى من مسّ جنة أو من تخبط جنة، والظاهر أن يتفكروا معلق على الجملة المنفية وهي في موضع نصب بيتفكروا بعد إسقاط حرف الجر لأن التفكر من أفعال القلوب فيجوز تعليقه. والمعنى أو لم يتأملوا أو يتدبروا في إسقاط هذا الوصف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإِنه منتف عنه لا محالة ولا يمكن لم أمْعَنَ الفكر أن ينسب ذلك إليه.
{ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } الآية، لما خصّهم على التفكر في حال الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مفرعاً على تقرير دلائل التوحيد أعقبه بما يدل على التوحيد وجود الصانع الحكيم والملكوت الملك العظيم. وتقدم شرح ذلك في الانعام ولم يقتصر على ذكر النظر في الملكوت بل نبه على أن كل فرد من الموجودات محل النظر والاعتبار والاستدلال على الصانع ووحدانيته كما قيل: وفي كل شىء له آية تدل على أنه واحد.
{ وَأَنْ عَسَىۤ } الآية أن هي المخففة من الثقيلة واسمها محذوف ضمير الشأن وخبرها عسى وما تعلقت به وقد وقع خبراً لها الجملة غير الخبرية في مثل هذه الآية وفي مثل والخامسة أن غضب الله عليها، فغضب الله عليها جملة دعاء وهي غير خبرية. وأجاز أبو البقاء أن تكون ان هي المخففة من الثقيلة وأن تكون مصدرية يعني أن تكون الموضوعة على حرفين وهي الناصبة للفعل المضارع وليس بشيء لأنهم نصوا على أنها توصل بفعل متصرف مطلقاً يعنون ماضياً ومضارعاً وأمراً فشرطوا فيه التصرف. وعسى فعل جامد فلا يجوز أن يكون صلة لأن، وعسى هنا تامة وأن يكون فاعل بها نحو قولك: عسى أن يقدم زيد، واسم يكون قال الحوفي: أجلهم وقد اقترب الخبر. وقال الزمخشري وغيره: إسم يكون ضمير الشأن فيكون قد اقترب أجلهم في موضع نصب في موضع خبر يكون وأجلهم فاعل باقترب وما أجازه الحوفي فيه خلاف.
{ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } معنى هذه الجملة وما قبلها توقيفهم وتوبيخهم على أنه لم يقع منهم نظر ولا تدبر في شىء من ملكوت السماوات والأرض ولا في مخلوقات الله تعالى ولا في اقتراب آجالهم، ثم قال: فبأي حديث أو أمر يقع إيمانهم وتصديقهم إذ لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة. ونحوه قال الشاعر:

فغن أيّ نفس بعد نفسي أقاتل

والمعنى إذا لم أقاتل عن نفسي فكيف أقاتل عن غيرها.
{ مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } نفي نفياً عاماً أن يكون هاد لمن أضله الله تعالى فتضمن اليأس من إيمانهم والمقت لهم.
{ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } قرىء ونذرهم بالنون ورفع الراء. وقرىء ويذرهم بالياء ورفع الراء، وهو استئناف اخبار قطع الفعل أو أضمر قبله ونحن فيكون جملة إسمية. وقرىء: ونذرهم بالنون والجزم على أنه مجزوم عطفاً على محل فلا هادي له، فإِنه في موضع جزم جواباً للشرط. والجملة من يذرهم تقدم تفسيره في أوائل البقرة فأغنى عن إعادته.