التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
٣١
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣٢
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٣٣
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٣٤
-الأعراف

النهر الماد

{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } الآية، كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة، وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم دسماً، ولا ينالون من الطعام إلا قوتاً، تعظيماً لحجهم. فنزلت. والزينة فعلة من التزين وهو اسم ما يتجمل به من ثياب وغيرها، كقوله تعالى: { وَٱزَّيَّنَتْ } [يونس: 24] أي بالنبات. والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة. وفي صحيح مسلم عن عروة أن العرب كانت تطوف عراة إلا الحُمْسُ، وهم قريش إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً فتعطى الرجالُ الرجالَ والنساءُ النساءَ. وفي غير مسلم: من لم يكن له صديق بمكة يعيره ثوباً طاف عرياناً أو في ثيابه وألقاها بعد ذلك فلا يمسها أحد، وتسمى اللقاء. وقال بعضهم في ذلك:

كفى حزناً كدى عليه كأنه لقى بين أيدي الطائفين حريم

"فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه: يا بني آدم خذوا زينتكم، أذّن مؤذنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" .
{ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } الظاهر أنه أمر بإِباحة الأكل والشرب من كل ما يمكن أن يؤكل ويشرب مما لم يخطر أكله وشربه في الشريعة. وإن كان النزول على سبب خاص كما ذكروا من امتناع المشركين من أكل اللحم والدسم أيام إحرامهم، والنهي عن الإِسراف يدل على التحريم لقوله تعالى: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }. والظاهر تعلق الإِسراف بالأكل والشرب كما يوجد للمحترفين في الدنيا من مغالاة التأنق في الأكل بحيث يغرم على الدجاجة الواحدة نحو من عشرين درهماً، وكما يغرم على الرطل من الحلوى نحو من أربعين درهماً، ولقد شاهدنا بعض أكابرهم رسم بأن يعمل له خميرة ورد في مئين من القناني في كل قنينة أربع أواق فقيل له: الورد كما دخل وهو غال، فقال: أليس موجوداً؟ فقيل له: نعم. فقال: كل موجود ليس بغال. وكما بلغنا عن بعض الناس أنه كان يأكل الفستق مقشوراً بالسكر النبات في القطايف، وقد سئل عن حال من يأكل قشور الموز من الجوع والفقر فقال ذلك الآكل: كلنا فقراء. وأما تأنقهم في الأواني الصينية وفعالاتهم في أثمانها فكثير، ويسألون درهماً لفقير فلا يبورن به.
{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ } هي ما حسنته الشريعة وقررته مما يتجمل به الناس من الثياب وغيرها. وأضيفت إلى الله تعالى لأنه هو الذي أباحها. والطيبات: هي المستلذات من المأكول والمشروب بطريقه وهو الحل، ومعنى الاستفهام إنكار تحريم هذه الأشياء وتوبيخ محرميها. وقد كانوا يحرمون أشياء من لحوم الطيبات وألبانها. والاستفهام إذا تضمن الإِنكار لا جواب له.
ومعنى: { أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } أي أبرزها وأظهرها وفصّل حلالها من حرامها.
{ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية، وقرىء: خالصة بالرفع. وقرأ باقي السبعة بالنصب، فأما النصب فعلى الحال والتقدير قل هي مستقرة للذين آمنوا في حال خلوصها لهم يوم القيامة وهي حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبراً لهيَ. وفي الحياة متعلق بآمنوا. وأما الرفع فجوزوا فيه أن يكون خبراً لهي. وللذين آمنوا متعلق بخالصة. وفي الحياة الدنيا متعلق بآمنوا. ويصير المعنى قل هي خالصة يوم القيامة لمن آمن من الدنيا، ولا يعني بيوم القيامة وقت الحساب، وخلوصها كونهم لا يعاقبون عليها، وإلى هذا المعنى يشير ابن جبير. وجوزوا فيه أن يكون خبراً بعد خبر، والخبر الأول هو للذين آمنوا. وفي الحياة الدنيا متعلق بما يتعلق به للذين وهو الكون المطلق، أي قل هي كائنة في الحياة الدنيا للمؤمنين وإن كان يشركهم فيها في الحياة الدنيا الكفار وخالصة لهم يوم القيامة. ويراد بيوم القيامة استمرار الكون في الجنة، وهذا المعنى من أنها لهم ولغيرهم في الدنيا خالصة لهم يوم القيامة هو قول ابن عباس وجماعة.
{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ } تقدم تفسير الفواحش.
و{ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } في أواخر الانعام قال ابن عباس: هنا ما ظهر منها ما كانت تفعله الجاهلية من نكاح الأبناء نساء الآباء، والجمع بين الأختين، وأن تنكح المرأة على عمتها وخالتها، وما بطن، وهو الزنا، وما عطف عليه بدل من الفواحش وهو بدل تفصيلي لإِنقسام الفواحش إلى ظاهرة وباطنة. ونظيره قول الشاعر:

وكنت كذي رجلَيْنِ رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت

والاثم عام يشمل الأقوال والأفعال التي يترتب عليها الاثم. والبغي: التعدي وتجاوز الحد مبتدئاً كان أو منتصراً.
وقوله: { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } زيادة بيان وليس يتصور بغي بحق، لأن ما كان بحق لا يسمى بغياً.
وتقدم تفسير { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } في الانعام فأغنى عن إعادته.
{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي لكل واحد من الأمة عمر ينتهي إليه بقاؤه في الدنيا، فإِذا مات علم ما كان عليه من حق أو باطل. وقرىء: جاء أجلهم بإِبدال همزة أجلهم ألفاً. وقرىء أيضاً بحذفها. وقرىء: أيضاً بإِقرارها همزة وجواب إذا.
قوله: { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } وقال الحوفي:
{ وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } معطوف على لا يستأخرون. "انتهى". وهذا لا يمكن لأن إذا شرطية فالذي يترتب عليها إنما هو مستقبل، ولا يترتب على مجيء الأجل في المستقبل إلا مستقبل، وذلك يتصور في انتفاء الاستئخار لا في انتفاء الاستقدام لأن الاستقدام سابق على مجيء الأجل في الاستقبال فيصير نظير قولك: إذا قمت في المستقبل، لم يتقدم قيامك في الماضي. ومعلوم أنه إذا قام في المستقبل لم يتقدم قيامه، هذا في الماضي. وهذا شبيه بقول زهير:

بدا لي أني لست مورك ما مضى ولا سابقاً شيئاً إذا كان جائياً

ومعلوم أن الشىء إذا كان جائياً إليه لا يسبقه. والذي تخرج عليه الآية أن قوله: لا يستقدمون، منقطع من الجوا بعلى سبيل استئناف اخبار، أي وهم لا يستقدمون الأجل أي لا يسبقونه. وصار معنى الآية أنهم لا يسبقون الأجل ولا يتأخرون عنه.