التفاسير

< >
عرض

يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٣٥
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
٣٦
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ
٣٧
قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ
٣٨
وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٣٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ
٤٠
لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٤١
-الأعراف

النهر الماد

{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ } هذا الخطاب هو لبني آدم في الأزل وقيل: هو مراعىً به وقت الإِنزال. وجاء بصورة الاستقبال لتقوى الإِشارة بصحة النبوة إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وما في اما: تأكيد. وجواب الشرط: فمن اتقى وأصلح.
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } لما ذكر المكذبين ذكر من هو أسوأ حالاً منهم وهو من يفتري الكذب على الله تعالى أيضاً. وذكر أيضاً من كذب بآياته.
{ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ } ذكروا أقوالاً كثيرة. والذي يظهر أن الذي كتب لهم في الدنيا من رزق وأجل وغيرهما ينالهم فيها، ولذلك جاءت التغيبة بعد هذا بحتى.
{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } تقدم الكلام على حتى إذا في أوائل الانعام. والمعنى أنهم ينالهم حظهم مما كتب لهم إلى أن تأتيهم رسل الموت يقبضون أرواحهم فيسألونهم سؤال توبيخ وتقرير: أين معبوداتكم من دون الله تعالى فيجيبون بأنهم:
{ ضَلُّواْ عَنَّا } أي هلكوا واضمحلوا. والرسل: ملك الموت عليه السلام وأعوانه، ويتوفونهم في موضع الحال وكتبت أينما متصلة، وكان قياس كتابتها الإِنفصال لأن ما موصولة كهي في أنّ ما توعدون لآت؛ إذ التقدير أين الآلهة التي كنتم تعبدون؟ ومعنى تدعون أي تستغيثو لهم لقضاء حوائجكم. وجواب سؤالهم ليس مطابقاً من جهة اللفظ لأنه سؤال عن مكان وأجيب بفعل، وهو مطابق من جهة المعنى إذ تقدير السؤال ما فعل معبودكم من دون الله معكم؟ قالوا: ضلوا عنا.
{ وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ } إستئناف إخبار من الله تعالى بإِقرارهم على أنفسهم بالكفر.
{ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ } الآية. أي يقول الله لهم أي للكفار من العرب وهم المفترون الكذب والمكذبون بالآيات، وذلك يوم القيامة. وعبر بالماضي لتحقق وقوعه، وقوله ذلك على لسان الملائكة. ويتعلق في أمم في الظاهر بادخلوا والمعنى في جملة أمم، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف فيكون في موضع الحال. وقد خلت من قبلكم، أي تقدمتكم في الحياة الدنيا أو تقدمتكم، أي تقدم دخولها في النار. وقدم الجن لأنهم الأصل في الإِغواء والإِضلال. ودل ذلك أن عصاة الجن يدخلون النار. وفي النار متعلق بخلق على أن المعنى تقدم دخولها أو بمحذوف هو صفة لأمم أي في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجن والإِنس كائنة في النار.
{ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } كلما: للتكرار، ولا يستوي ذلك في الأمة الأولى فاللاحقة تلعن السابقة أو يلعن بعض الأمة الداخلة بعضها. ومعنى أختها، أي في الدين، والمعنى كلما فعلت أمة من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان وغيرهم من الكفار.
{ حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً } حتى غاية لما قبلها. والمعنى أنهم يدخلون فوجاً ففوجاً لاعناً بعضهم بعضاً إلى انتهاء تداركهم وتلاحقهم في النار واجتماعهم فيها. وأصل ادّاركوا تداركوا أدغمت التاء في الدال فاجتلبت همزة الوصل. وأخرى هنا بمعنى آخره مؤنث آخر مقابل أول لا مؤنث آخر بمعنى غير كقوله:
{ { وِزْرَ أُخْرَىٰ } [الأنعام: 164]. واللام في لأولادهم: لام السبب، أي لأجل أولاهم لأن خطابهم مع الله تعالى لا معهم.
{ أَضَلُّونَا } شرعوا لنا الضلال أو جعلونا نضل وحملونا عليه.
{ ضِعْفاً } زائداً على عذابنا إذ هم كافرون ومسببوا كفرنا.
{ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ } أي لكل من الأخرى، والأولى عذاب مضاعف زائد إلى غير نهاية وذلك أن العذاب مؤبّد فكل ألم يعقبه آخر. وقرأ الجمهور بالتاء على الخطاب للسائل أي لا تعلمون ما لكل فريق من العذاب أو لا تعلمون المقادير وصور العذاب أو خطاب لأهل الدنيا أي ولكن يا أهل الدنيا لا تعلمون مقدار ذلك، وهذه الجملة رد على أولئك السائلين وعدم إسعاف لما طلبوا.
{ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ } أي قالت الطائفة المتبوعة للطائفة المتبعة. واللام في لأخراهم لام التبليغ نحو: قلت لك أضع كذا لأن الخطاب هو مع أخراهم بخلاف اللام في لأولاهم فإِنهما كما ذكرنا لام السبب لأن الخطاب هناك مع الله تعالى، وقيل: قوله: فما، جملة محذوفة تقديرها فما أجابكم الله تعالى إلى ما طلبتم من تضعيف العذاب لنا.
{ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } باتباعكم إيانا من الدنيا، بل كفرتم اختيار إلا ان حملناكم على ذلك إجباراً. وإن قوله: فذوقوا العذاب، من كلام الأولى خطاباً للأخرى على سبيل التشفي منهم وإن ذوق العذاب هو بما كسبتم من الآثام لا بسبب دعواكم أنا أضللناكم.
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا } أي عن قبولها والتفكر فيها والإِيمان والاستكبار هو نتيجة التكذيب.
{ لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ } قرىء لا تفتح مخففاً ومثقلاً وبياء الغيبة أبواب السماء قال ابن عباس: لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لما يريدون به طاعته تعالى أي لا يصعد لهم عمل صالح فتفتح له أبواب السماء. وقيل: المعنى لا تفتح لهم أبواب السماء في القيامة ليدخلوا منها إلى الجنة.
{ حَتَّىٰ يَلِجَ } الولوج: التقحم في الشىء.
{ ٱلْجَمَلُ } الحيوان المعروف. والجمل حبل السفينة ولغاته تأتي.
{ سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } ثقبة وتضم سين سم وتفتح وتكسر وكل ثقب في أنف أو أذن إو غير ذلك فالعرب تسميه سُما. والخياط: المخيط، وهما آلتان كازار ومئزر ولحاف وملحف وقناع ومقنع ويلح هذا نفي مغيّا بمستحيل وذكر الجمل لأنه أعظم الحيوان المزاول للإِنسان جثة فلا يلج إلا في باب واسع فلا يدخلون الجنة أبداً. قال الشاعر:

لقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير

وقرأ ابن عباس في جماعة وابان عن عاصم الجمل بضم الجيم وفتح الميم مشددة. وفسر بالقلس الغليظ وهو حبل السفينة تجمع من حبال وتفتل وتصير حبلاً واحداً.
{ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ } أي مثل ذلك الجزاء نجزي أهل الجرائم.
{ لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ } هذه استعارة لما تحيط بهم من النار من كل جانب، كما قال تعالى:
{ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [الزمر: 16]. والغواشي جمع غاشية. قال ابن عباس: هي اللحف.