التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ
٨٨
قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ
٨٩
وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ
٩٠
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٩١
ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ
٩٢
فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ
٩٣
-الأعراف

النهر الماد

{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } الآية، لنخرجنك جواب قسم محذوف والقسم يكون على فعل المقسم كقوله: لتخرجنك وعلى فعل غيره، كقوله: أو لتعودن، وهذا يدل على صعوبة مفارقة الوطن إذ قرنوا ذلك بالعود إلى الكفر وفي الإِخراج والعود طباق معنوي، والعود هنا بمعنى الصيرورة.
{ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } أي أيقع منكم أحد هذين الأمرين على كل حال حتى في حال كراهيتنا لذلك. والاستفهام للتوقيف على شنعة المعصية بما أقسموا عليه من الإِخراج عن مواطنهم ظلماً، والإِقرار بالعود في ملتهم. قال الزمخشري: الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال تقديره أتعيدوننا في حال كراهيتنا وليست واو الحال التي يعبر عنها النحويون بواو الحال بل هي واو العطف عطفت على حال محذوفة كقوله عليه السلام:
"ردوا السائل ولو بظلف محرق" ، ليس المعنى ردوه في حال الصدقة عليه بظلف محرق بل المعنى ردوه مصحوباً بالصدقة ولو مصحوباً بظلف محرق. وتقدم لنا إشباع القول في هذا المعنى.
{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } الآية هذا إخبار مقيد من حيث المعنى بالشرط، وجواب الشرط محذوف من حيث الصناعة وتقديره ان عدنا في ملتكم فقد افترينا. وليس قوله: قد افترينا على الله كذباً، هو جواب الشرط الأعلى مذهب من يجيز تقديم جواب الشرط على الشرط فيمكن أن يخرج هذا عليه ونظير هذا التركيب الفصيح قول الاشتر النخعي واسمه الحرث:

بقيت وَفْدى وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس
إن لم أشن على ابن هند غارة لم تخل يوماً من ذهاب نفوس

{ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ } أي ما ينبغي ولا يتهيأ لنا أن نعود في ملتكم.
{ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا } وهذا الاستثناء على سبيل عذق الأمور جميعها بمشيئة الله تعالى وإرادته. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما تفعله الكفرة من القربات فلما قال لهم: إنا لا نعود في ملتكم، ثم خشي أن يتعبده الله بشىء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك، ويقول: هذه عودة إلى ملتنا، استثنى مشيئة الله تعالى فيما يمكن أن يتعبد به. "انتهى". وهذا الاحتمال لا يصح لأن قوله: بعد إذ نجانا الله منها إنما يعني النجاة من الكفر والمعاصي لا من أعمال البر. وقيل: هذا الاستثناء إنما هو تسليم وتأدب. قال ابن عطية: ويقلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ولو كان الكلام إن شاء قوي هذا التأويل. "انتهى". وليس يقوى هذا التأويل بل لا فرق بين إلا إن يشاء وبين إلا أن يشاء لأن انْ تخلّص الماضي للاستقبال كما تخلص ان المضارع للاستقبال فكلا الفعلين مستقبل.
{ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } الآية تقدم تفسير نظيرها في الانعام في قصة إبراهيم عليه السلام.
{ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } في دفع ما توعدتمونا به وفي حمايتنا من الضلال وفي ذلك استسلام لله تعالى وتمسك بلطفه.
{ رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } أي احكم والفاتح والفتاح القاضي بلغة حمير. وقيل: بلغة مراد. وقال بعضهم:

ألا أبلّغ بني عصم رسولا فإِني عن فتاحتكم غني

وقال ابن عباس: ما كنت أعرف ما معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك، أي أحاكمك. وقال الفراء: أهل عمان يسمون القاضي الفاتح.
{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } أي قال بعضهم لبعض أي كبراؤهم لاتباعهم تثبيطاً عن الإِيمان.
{ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً } فيما أمركم به ونهاكم عنه.
{ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } أي مغبونون. قال الزمخشري: فإِن قلت: ما جواب القسم الذي وطأته اللام في لئن اتبعتم وجواب الشرط؟ قلت: قوله إنكم إذا لخاسرون ساد مسد الجوابين. "انتهى". والذي تقوله النحويون إن جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ولذلك وجب مُضيُ فعل الشرط. فإِن عني الزمخشري بقوله: ساد مسد الجوابين، انه اجتزىء به عن ذكر جواب الشرط فهو قريب، وإن عنى به أنه من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم، لأن الجملة يمتنع أن تكون لا موضع لها من الإِعراب وأن يكون لها موضع من الإِعراب. وإذا هنا معناها التوكيد وهي الحرف الذي هو جواب ويكون معه الجزاء وقد لا يكون.
{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } تقدم تفسير هذه الجملة. قال قتادة: أرسل شعيب إلى أصحاب الايكة فأهلكوا بالظلة، وإلى أصحاب مدين فصاح بهم جبريل عليه السلام صيحة فهلكوا جميعاً.
{ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } أي كان لم يقيموا ناعمي البال رخيي العيش في دارهم وفيها قوة الاخبار عن هلاكهم وحلول المكروه بهم والتنبيه على الاعتبار بهم كقوله تعالى:
{ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [يونس: 24]. وفي كأَنْ ضمير الشأن محذوف تقديره قبل الحذف كأنه والجملة بعدها في موضع الخبر منفياً بلم وهو الكثير وقد جاء النفي بلما في قول حماد الكلبي: وكان لما يكون قط لمْ. والنفي بلما قليل.
{ كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } هم فصلاً بين الإِسم والخبر ويجوز أن يكون بدلاً من الاسم في كانوا، ولما كان قولهم إنكم إذاً لخاسرون قوبلوا بقوله: هم الخاسرون، وأفاد الفصل الاختصاص.
{ فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } تقدم تفسير نظيره في قصة صالح.
{ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ } أي فيكف أحزن على من لا يستحق أن يحزن عليه ونبه على العلة الموجبة لعدم الحزن عليهم وهي الكفر إذ هي أعظم ما يعادى به المؤمن.