التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢
-يونس

تيسير التفسير

{ وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ } الكافر، والإِنسان المطلق لأَن من شأْنه ولو مؤْمناً القلق بالضر { الضُّرُّ } المرض أَو الفقر أَو الذل أَو غير ذلك مما يسوؤُه، وعبر بالمس تلويحاً بأَنه يقلق من أَول الأَمر، وتكذيباً لما يوهمه طلبهم الشر من القدرة عليه كيف تطلبونه وأَنتم لا تطيقونه ولا تصبرون عليه، وبياناً لكونه لو قضى إِليهم لم يؤَخروه ولم يطيقوه على أَى حال كان من قيام أَو قعود أَو اضطجاع ملحا كما قال { دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً } بالنصب على الحال، أَى ثابتاً أَو مضطجعاً على جنبه الأَيمن أَو الأَيسر، فاللام بمعنى على أَو ملقياً لجنبه على الأَرض، فتكون على أَصلها إِلا أَنها للتقوية، وأَو لتنويع الأَحوال فهى كالواو، ويجوز أَن تكون لتنويع أَصناف المضار أَى لمرض لا يطيق معه القعود ولا القيام، أَو لمرض يطيق معه القيام كالقعود أَو يطيق معه القعود كالاضطجاع لا القيام، والأَول أَولى لعمومه وخصوص الثانى بالأَمراض، وعلى كل حال ذلك غالب لا حصر لأَنه بقى الركوع والسجود والميل جانباً دون استواء قعود أَو اضطجاع، والاستلقاءُ والانكباب على الوجه وهو نهى عنه، فذلك تمثيل، وقد يدخل الركوع فى القيام والميل والسجود فى القعود على معنى أَن القعود ماعدا الاضطجاع والقيام، وكم مريض لا يطيق الاضطجاع ولا القعود بل الميل، ولعل ذلك الترتيب في الذكر أَن الاضطجاع أَولى بالتسلى لأَنه مظنة سكون، وبعده القيام فإِنه مظنة اشتغال بعمل، ومع ذلك لا يترك الدعاءَ والقعود دونهما فإِن فيه انتصاباً غير تام فأَخر. والله أَعلم { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ } دام على حاله من التقصير والغفلة ولو كان موحدا، وعلى حاله من الكفر إِن كان كافراً، أَو ذهب عن موضع الدعاءِ، أَو عن الدعاءِ لا يرجع إِليه، وهذا كثير فى أَهل التوحيد فلا يختص الإِنسان المذكور بالمشرك، ولا يتعين اختصاصه به لقوله { وكذلك زين للمسرفين } لصحة أَن يكون المعنى تلك خصلة سوءٍ فيمن كان موحدا أَو مشركا كما زين للمشركين مطلق ما يعملونه من شرك، أَو أَراد بالإِسراف الفسق بالشرك أَو بما دونه، كل يلح فى الحاجة فإِذا حصلت { كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } أَى كأَنه، أَى الشأْن أَو الإِنسان الداعى، وجوز سيبويه فى مثل ذلك أَن يرجع الضمير إِلى ما يصلح بالمقام لا إِلى خصوص الشأْن، والجملة حال من ضمير مس، والمعنى مشبها من لم يدعنا إِلى إِزالة ضر مسه أَو فى شأْن ضر بالدفع على أَن تكون على بمعنى فى، والأَصل الأَول وهو بعد الكشف كحاله قبل الابتلاءِ والتضرع والقوة وعدم الضر. ومسه نعت ضر. قال أَبو الدرداءِ: ادع الله يوم سرائك يستجيب لك يوم ضرائك، وعن أَبى هريرة وسلمان: من سره أَن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكروب فليكثر الدعاءَ فى الرخاءِ { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } من الاستغراق فى الشهوات وفى ترك العبادة واستعمال الجوارح فى المعاصى وقد خلقت للطاعة، إِسراف كاستعمال المال فيما يضيع أَو يضر، أَى مثل ذلك المرور على حاله من الدعاء عند الضر والإِعراض عند الرخاءِ قبل الابتلاءِ، ولم أَقل مثل ذلك التزيين لأَنه لم يتقدم لفظ زين ولو كان فى ضمن ما ذكر، ويجوز أَن يكون الكلام كناية كقولك مثلك لا يبخل إِلى جعل الكاف زائِدة على معنى أَنه زين للمسرفين ما كانوا يعملون ذلك التزيين.