التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
٤٥
-يونس

تيسير التفسير

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } الضمير يحشر المنكرين للبعث إِياهم وغيرهم من سائِرِ المنكرين أَو متعلق بيتعارفون وقوله { كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ } حال من الهاءِ، ولا يصح أَن يكون نعتاً ليوم بتقدير الرابط، أَى كأَن لم يلبثوا فيه لأَن يوماً معرفة بالإِضافة إِلى جملة مشتملة على معرفة لأَن المعنى يوم حشرناهم أَو حشرنا إِياهم ـ بإِسكان الشين فيهما وكسر الراء ـ وأَما أَن يقدر ويوم حشر منا لهم فخطأ ولا حاجة إِلى جعله نعتاً لمصدر على تقدير الرابط، أَى حشرا كأَن لم يلبثوا قبله لأَن عدم الحذف أَولى من الحذف، فكيف حذفان؟ والمراد اللبث فى الدنيا أَو اللبث فى القبور أَو كلاهما. يستقصرون كل ذلك لهول الحشر لأَن وقت الشدة طويل بها ولو قصر، وهذا نفس وقت الحشر وهو البعث من القبور خاصة، وأَما اللبث فى الحشر فهو فى نفسه مع شدته طويل الزمان، والسعداء لا يستقلون لبثهم فى الدنيا والقبر، والظاهر أَن الاستقلال يلحق الموتى مطلقاً لعظم الهول على الكل إِلا أَنهم يتفاوتون فى ذلك، ثم إِنه كيف يستقل الكافر لبث القبر مع أَنه معذب فيه حتى كأَنه لبث ساعة، ولعله لإِفضائِه بعد القبر إِلى العذاب الدائِم، وإِن أُريد باللبث البرزخ العام بعد قيام الساعة فإِنه لا يعذبون فيه وهو أَربعون عاماً، فالأَمر ظاهر، والساعة مطلق الوقت وأَضيفت للنهار لأَن الساعة فى النهار أَظهر منها فى الليل، وربما تقوى بذكر النهار أَن المراد اللبث فى الدنيا، ولا يخفى أَن المسلم أَيضاً لا يدرى كم لبث فى القبر، فلا يتم ما قيل من ترجيح حمل اللبث على اللبث فى الدنيا بأَن الكافر هو الذى لا يعرف كم لبث فى قبره، واسم كان ضمير المحشورين أَى كأَنهم لم يلبثوا أَو الشأْن، أَى كأَنه لم يلبثوا، ومن فوائِد هذا التشبيه الإِشارة إِلى أَن طول مكثهم كأَنه طول ساعة فلم يتعاص عنه البعث لطوله، وكونهم عظاماً وتراباً ورفاتاً وإِلى أَنه كوقت قريب جداً يسهل معه البعث بلا تغيير مع أَن الأَمر كله عنده سواءٌ طوله وقصره، ويناسب هذا قوله { يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } فإِن التعارف أَنسب بالزمان القليل حتى لا ينكر بعض بعضاً لطول العهد، والجملة حال من هاءِ نحشرهم أَو واو لبثوا مقدرة لأَن التعارف غير مقترن بالحشر، وهو الحشر بمعنى الجمع فى الموقف، وقد تجعل الحال مقارنة على التفسير بالبعث لقربه بالتعارف، وقد قيل يتعارفون عند البعث ثم ينقطع فى الوقت لشدة الهول حتى كأَنه لا يعرف بعض بعضا ولتغير وجوههم وصفاتهم، فذلك الوقت غير وقت قوله فلا أَنساب بينهم، ولا يسأَل حميم حميماً الآيتين، ولكن يرجع التعارف بعد انقطاعه لقوله تعالى: { { ولو ترى إِذ الظالمون } [الأنعام: 93، سبأ: 31]، وقوله تعالى: { { كلما دخلت أُمة } [الأعراف: 38]، وقوله تعالى: { { ربنا إِنا أَطعنا } [الأحزاب: 67]، الآيات ونحو ذلك، وللآثار الواردة فى أَن الوالد يطلب من ولده الحسنة وبالعكس، ونحو هذا فالتعارف الأَول مطلق وما بعده توبيخ أَو طلب أَو نحو ذلك، ولهم مواطن يتعارفون فى بعضها دون بعض، أَو التعارف المنفى تعارف تواصل، والمثبت تعارف التوبيخ وعن الحسن يعرف الرجل صاحبه إِلى جانبه ولا يكلمه { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ } مستأْنف أَو حال من واو يتعارفون أَو هاءِ نحشرهم، والرابط الذين لأَنه ظاهر فى موضع الضمير ليصفهم بمضمون الصلة، أَو مفعول لحال أَى قائِلين قد خسر إِلخ، ولقاءُ الله البعث { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } إلى طرق النجاة، أَو عارفين بأَحوالها، عطف على خسر الذين، إِلخ أَو على كذبوا إِلخ.