التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٦٣
لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٤
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦٥
-يونس

تيسير التفسير

{ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } عقاب الله بامتثال الأَوامر واجتناب النواهى، الاتقاءُ حذر المعاصى إِجلالا لله تعالى أَو خوفا من عقابه، ومن يعصى ويتوب من قلبه لم يخرج عن اسم الاتقاءِ والتقوى لأَن ذلك مراتب منها ترك المعاصى إِلا نادرا يعاجل بالتوبة ومنها ترك المعاصى أَلبتة كالأَنبياءِ والملائِكة، قيل: يا رسول الله من أَولياءُ الله؟ قال: "الذين إِذا رُءُوا ذكر الله تعالى" ، أَى تدعو حالهم إِلى طاعة الله وتقواه، وقال صلى الله عليه وسلم: " لله قوم تحابوا في الله بلا قرابة هم على منابر من نور يوم القيامة، يغبطهم الأَنبياءُ والشهداءُ لا فزع عليهم وهم أَولياءُ الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ، ونقول الأَنبياءَ أَفضل إِنما يتمنون حالهم لشدة الجمع بينهم وبين أَممهم لشأْن التبليغ ثم رأَيته والحمد لله تعالى لغيرى، وقال عيسى عليه السلام: أَولياءُ الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين رفضوا الدنيا ولم يغرهم ظاهرها، وهدموها وبنوا بها الآخرة، مبتدأ وخبره.
{ لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ } أَو خبر ثان لأَن أَو خبر لمحذوف كأَنه قيل من هم؟ فقال: هم الذين قيل، أَو منصوب على المدح أَو نعت لأَولياءَ، وفيه الفصل بالخبر، وإِذا لم يجعل لهم البشرى خبرا فهو مستأْنف كأَنه قيل: ماذا لهم؟ فقيل: لهم البشرى إِلخ، وفى الحياة متعلق بالبشرى أَو بلهم أَو بمتعلقه أَو حال من ضمير الاستقرار، عن عبادة بن الصامت قال صلى الله عليه وسلم:
" البشرى فى الدنيا الرؤيا الصالحة يراها الرجل أَو ترى له" ، رواه الحاكم. قال صلى الله عليه وسلم:" "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة التى يتبشر بها المؤمن جزءٌ من ستة وأَربعين جزءاً من النبوة" كما هو المشهور، وعن ابن عمر وأَبى هريرة: جزءٌ من سبعين جزءاً من النبوة، ولا يختص التبشير بها بمن فى غاية درجات الولاية، بل السعيد مطلقا، ويجوز أَن يراها أَو ترى له، ولو فى حال المعصية لأَنه يختم له بالسعادة فلا تهم، ويجوز أَن تفسر بالرؤيا الصالحة وما يبشر به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يكون بالمكاشفة وما يبشره به الملائِكة عند النزع، ويكون حديث عبادة تمثيلا لا حصرا، ويدل على أَنه تمثيل ما روى مسلم أَن أَبا ذر رضى الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أَرأَيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه، قال: "تلك عاجلة بشرى المؤمن" . فإِن هذا ليس حصراً أَيضاً، وذلك بلا قصد منه للثناءِ بل يشتغل قلبه بالله فيفيض النور على ظاهره، وينادى الملك للملائكة: إِن الله أَحب فلاناً فأَحبوه ويوضع له القبول فى الأَرض، والبشرى فى الآخرة بعد الموت ويوم القيامة وقوله تعالى: " { تتنزل عليهم الملائكة أَلاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأَبشروا بالجنة التى كنتم توعدون } " [فصلت: 30] قيل عند الموت، وقيل بعده، قال جل وعلا " { بشراكم اليوم } "[الحديد: 12] { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ } لوعده ولا لوعيده ولا لشىءٍ مما قضى، وهذا لعمومه وكونه برهانا على عدم خلفه البشرى أَولى من التفسير بخصوص عدم خلفها { ذَلِكَ } إِشارة إِلى البشرى، وإِنما ذكر بتأْويل التبشير أَو إِشارة إِلى ثبوتها إِذ قال لهم البشرى { هُوَ الْفَوْزُ } أَى المفوز به { الْعَظِيمُ } فتسل بذلك عن إِيذائهم وأَيقن كما قال:
{ وَلاَ يَحْزُنْك قَوْلُهُمْ } لست مرسلا ولا نبياً وإِنك مجنون أَو شاعر أَو ساحر أَو ما تأْتى به أَساطير الأَولين أَو يعلمك بشر. وفى هذا تهديد لهم { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً } لا شىءَ منها لغيره فهو ينصرك عليهم ولا تنفعهم قوتهم بالمال والكثرة، وهو تعليل جملى لقوله لا يحزنك، كأَنه قيل لأَن العزة لله جميعاً كما قرأَ أَبو حيوة بفتح الهمزة، وهذا أَولى من أَن يكون استئنافاً بيانياً، كأَنه قيل لم لا يحزنه؟ فقال: إِن العزة لله جميعاً، لأَن الأَول هو المتبادر، ولأَن يحزنك نهى لا إِخبار، والاستئناف البيانى إِنما يحسن بعد الإِخبار وأَما بعد الطلب فيحتاج لتأْويل كأْنه قيل: لم نهى عن الحزن المتأَثر بأَحزانهم فقال إِن العزة إِلخ، وهى على ظاهر ما يعطيكها الله أَو بمعنى القوة. وقد يقال على بعد أَن الجملة محكية بالقول على فرض أَن المشركين يقولون: العزة لله بلسانهم واعتقادهم لأَنها أَمر واضح لا محيد عنه، والحزن يتصور منه صلى الله عليه وسلم لمخالفتهم مضمون ذلك، وكذلك يبعد أَن يكون بدلا من القول، كأَنه قيل لا يحزنك أَن العزة لله بفتح الهمزة على حد لا تكونن ظهيراً للكافرين، ولا تدع مع الله إِلهاً آخر، إِلهاماً وتهييجاً، والمراد النهى عن التأَثر به، وذلك أَنه السبب، وجميعاً حال من الضمير فى الخبر ولم يؤَنث لأَن فعيلا من صيغ المصدر، وهو يصلح بلفظ واحد لكل ما أُريد به، ولو كان هذا وصفاً أَو توكيداً، أَى إِن العزة جميعها لله، وما تقدم أَولى { هُوَ السَّمِيعُ } العليم بالأَصوات { الْعَلِيمُ } بالأَفعال والاعتقادات وكل شىءٍ، فهو يعاقبهم على أَفعالهم وأَقوالهم واعتقاداتهم كبيرها وصغيرها، ويجازيكم خيراً كذلك وينصركم، وصغائِرِهم كبائِر لأَنهم أَصروا عليها وبالإِشراك.