التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ
٧٤
-يونس

تيسير التفسير

{ ثُمَّ بَعَثْنَا } أَرسلنا { مِنْ بَعْدِهِ } بعد نوح { رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ } كل رسول إِلى قومه، والمراد الذين قبل موسى لقوله تعالى ثم بعثنا إِلخ وإِضافة القوم للحقيقة، فيصدق بأَقوام كقوم هود وقوم صالح وقوم إِبراهيم وقوم لوط، والمراد بالرسل ما يشمل الأَنبياءَ بلا رسالة من إِطلاق الخاص وإِرادة العام{ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } المعجزات الواضحة فى نفسها وفى دلالتها على وضوح الرسالة والنبوة، والمشهور فى نوح رسالته إِلى أَهل الأَرض كله وقيل لبعضها وهم أَهل دعوته ورجحه بعض واختار أَهل الصين، إِن الصين لم يغرق وإِن الغرق لم يعم الأَرض وقيل عم من لم يرسل إِليه، لأَنه تعالى له أَن يفعل ما شاءَ، والصحيح الأَول إِلا أَنه روى أَنه بعد نزوله من السفينة سار فى الأرض فوجد قوماً لم يغرقوا، فقال لهم: ما شأْنكم، فقالوا: إِنا مسلمون. وما قلت فى دعائِك؟ قال قلت: رب لا تذر على الأَرض من الكافرين دياراً. فقالوا: نحن لسنا كافرين. ولا يخفى أَنه نبى الكل بعد الغرق ضرورة فقيل إِجماعاً. قلت: لا ضرورة ولا إِجماع لذلك القوم الذين لم يغرقوا، فإِن الظاهر أَنهم على الحق بدون نوح، وعند قومنا المشهور اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بالبعث إِلى الخلق كلهم على الإِطلاق بلا قيد وقد يقال أَنه بلغت إِلى الأَنبياءِ قبله، الباءُ للمصاحبة أَو للتعدية، وكأَنه قيل أَجاءَهم البينات الهاءُ لمفعول ثان مقدم أَى صير البينات جائِيتهم { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا } اسم موصول، والرابط هاءُ بعد أَو حرف موصول والهاءُ للحق { كَذَّبوا بِهِ مِن قَبْلُ } قبل بعث الرسل إِليهم لشدة شكيمتهم شدة تختص بالشقى، والباءُ الأُولى للسببية، والمعنى بسبب تعودهم تكذيب الحق، وهى متعلقة بما النافية لأَن المعنى انتفى الإِيمان بسبب تكذيبهم الحق من قبل بعثة الرسل إِليهم، وقيل واو كذبوا لقوم نوح { كَذَلِكَ نَطْبَعُ علَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِين } مثل ما ذكر من انتفاءِ إِيمانهم نطبع على قلوب المعتدين، أَى نختم عليها، وإِن شئْت فقل مثل ذلك الطبع على قلوبهم فلا تقبل الإِيمان لأَن القضاءَ بعدم الإِيمان طبع، ويجوز أَن يراد بالمعتدين من ذكر قبل فشأْنه الإِضمار، وأَظهر ليصفهم بالاعتداءِ المشعر بالانهماك فى الضلال واتباع المأْلوف، وفى الآية أَن الأَفعال بقدرة الله وكسب العبد، وهى مخلوقة لله عز وجل وليس تفسيرنا الطبع بالخذلان منافياً لقولنا إِن الأَفعال مخلوقة لله عز وجل.