التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
١٠٥
-هود

تيسير التفسير

{ يَوْمَ يَأْتِ } متعلق بتكلم ولا صدر للا النافية غير العاملة عمل أَن أَو مفعول لا ذكر محذوف أَو متعلق بالانقضاءِ المقدر، وعلى الوجهين ينقطع عنه قوله لا تكلم فيكون مستأْنفا بعده، وقد يقدر الضمير أَى لا تكلم فيه نفس فيتصل المعنى، وضمير يأْتى للعذاب أَو لله أَى يأْتى أَمره أَو عذابه ولا يجوز عوده ليوم مجموع لأَن الزمان لا يكون فى الزمان إِلا إِن اعتبر زمان متسع وكأَنا نعتبر ما يلى الدنيا من البرزخ أَو من قرب القيامة جدا مع ما يكون بعد فنجعل اليوم المشهود جزاءً متأَخرا لا انتهاءَ له، واليوم المشهود وقت الحساب ووقت الحساب لا يخلو من عذاب القلوب، وقد صح أَن تقول يوم الجمعة فى شهر كذا والساعة فى يوم كذا وما أشبه ذلك، واليوم بمعنى حين وورد فى القرآن إِتيان الساعة كقوله تعالى: " { أَن تأْتيهم الساعة } "[محمد: 18] وإِتيان الله جل وعلا نحو: " { هل ينظرون إلا أَن يأْتيهم الله } "[البقرة: 210] أَى أَمره ثم إِذا رددنا الضمير لليوم وصح بوجه آخر أَيضا أَى يوم يأْتى اليوم المجموع له الناس أَى هو اليوم المجموع إِلخ { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أَى كلاما نافعا أَو منجيا أَو شفاعة فلا ينافى" { يوم تأْتى كل نفس تجادل عن نفسها } "[النحل: 111]، ونحو قولهم" { والله ربنا ما كنا مشركين } "[الأنعام: 23] يقال خرس فلان عن حجته، ويقال حضر فلان فلم يتكلم مع أَنه ليس أَخرس وقد تكلم إِذ لم يأْت بكلام نافع، ولا يجوز أَن يقدر لا تكلم كلاما باطلا من الأَعذار الباطلة أَو غيرها لأَن الله عز وجل يقول إٍلا بإِذنه والله لا يأْذن بباطل إِلا أَن يقال المراد يأْذن له فى الكلام مطلقا أَو فى الكلام بحجة فينطق بباطل والله عالم بأَنه ينطق به قبل نطقه أو يجعل الاستثناء منقطعا، ويجوز أَن يقدر لا تكلم فى موطن لا ينطقون ولا يؤْذن لهم فيعتذرون وتتكلم فى آخر، ويوم الحشر موطن ومن التكلم فى موطن قوله تعالى: " { إِلا من أّّذن له الرحمن } "[النبأ: 38] فمنه الآية { فَمِنْهُمْ شَقِىُّ } سىءُ الحال فى عذاب وتعب فى النار بعمله لموجب العذاب { وَسَعِيدٌ } حسن الحال فى نعمة وراحة فى الجنة لعمله بفضل الله عز وجل ووعده، أَى ومنهم سعيد، ولا يلزم هذا التقدير إِذ المعنى بلا تقدير ثبت منهم شقى وسعيد، وكأَنه قيل الشقى والسعيد ثابتان منهم، وقدم الشقى لأَن المقام للإِنذار والمراد فريق شقى وفريق سعيد، ولم يقل أَشقياءُ وسعداءُ لأَن الأَفراد أَوفق بما قبل وللإِشارة إِلى أَن السعداءَ كسعيد واحد والأَشقياءَ كشقى للاتفاق فيما به ذلك من الخذلان والتوفيق والأعمال، والجمع فى فأَماالذين شقوا وأَما الذين سعدوا لأَنهم يدخلون النار والجنة زمرة زمرة كما جاءَ القرآن والحديث بذلك الهاءِ للناس فى قوله مجموع له الناس أَو للنفس للعموم بتقدم السلب مع وجود التنكير أَو للناس المعلومين من لا تكلم نفس، أَو لأَهل الموقف كما دل عليه يوم مجموع له الناس، والجن تابعون للناس فى شمول الكلام، والنفس شاملة لهم قطعا وأَطفال المشركين والمنافقين من السعداءِ لقوله صلى الله عليه وسلم "سأَلت ربى فى اللاهين فأَعطانيهم خدما لأَهل الجنة" ، وأَطفال المسلمين فى درجات آبائِهم لا خدم، جاءَه ذلك من الله بعد أَن توقف، وقال: الله أَعلم بما كانوا عاملين، والسعادة والشقاوة من الدنيا بحسب طبق القضاءِ الأَزلى، ولا يتخلف، والله يمن بالرحمة ولا يظلم بالعذاب وقد من الله على الأَطفال كما مر آنفا ولا يمن على المصر، ويوم القيامة ليس يوم عمل وتكليف وأَنا أَذكر لك أَحاديث وضعها الناس وأَسندوها إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست منه، روى أَحمد وإِسحاق ابن راهويه والبيهقى عن الأَسود بن سريع عن النبى صلى الله عليه وسلم: " أَربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أَصم لا يسمع ورجل أَحمق ورجل هرم ورجل مات فى فترة، فيقول الأَصم: رب جاءَ الإِسلام وما أَسمع شيئاً، والأَحمق يقول: رب جاءَ الإسلام والصبيان يحذفوننى بالبعر، والهرم يقول: رب جاءَ الإِسلام وما أَعقل شيئاً، والذى مات فى الفترة يقول: رب ما أَتانى لك رسول، فيأْخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أَن ادخلوا النار أَى نارا ترفع لهم فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها سحب إِليها أَى ودخل النار" ، وكذا روى أَحمد وإِسحاق وابن مردويه فى تفسيره والبيهقى عن أبى هريرة، وروى البزار عن أَبى سعيد الخدرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤْتى بالهالك فى الفترة والمعتوه والمولود، فيقول الهالك فى الفترة: لم يأْتنى كتاب ولا رسول، ويقول المعتوه: أَى ربى لم تجعل لى عقلا أَعقل به خيرا ولا شرا، ويقول المولود لم أُدرك العمل، فترفع لهم نار فيقال لهم ردوها أَو قال ادخلوها، فيدخلها من كان فى علم الله سعيداً لو أَدرك العمل ويمسك عنها من كان فى علم الله شقيا لو أَدرك العمل" ، ويقول الله تبارك وتعالى: إِياى عصيتم فكيف برسلى فى الغيب، وفى إِسناده ضعف بعطية العوفى، والترمذى يحسن حديثه، ولهذا أَحاديث تقتضى حسنة إِلا أَنها عندنا لا تصح، وروى البزار وأَبو يعلى عن أَنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤْتى يوم القيامة بأَربعة، بالمولود والمعتوه ومن مات فى الفطرة والشيخ الفانى كل يتكلم يحجة فيقول الله تبارك وتعالى لعنق من جهنم: ابرزى، فيقول: إِنى كنت أَبعث إِلى عبادى رسلا من أَنفسهم وإِنى رسول نفسى إِليكم، ادخلوا هذه النار، فيقول من كتب عليه الشقاءُ يا رب أَتدخلناها ومنها كنا نفرق، ويقتحمها من كتبت له السعادة، فيقول الله: قد عصيتمونى فأَنتم أَشد لرسلى تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤُلاءِ الجنة وهؤُلاءِ النار" ، وروى عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أَبى حاتم عن أَبى هريرة موقوفا إِذا كان يوم القيامة جمع الله أَهل الفترة والمعتوه والأَصم والأَبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإِسلام ثم أَرسل إِليهم رسولاً أَن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم تأْتنا رسل، ثم قال وأَيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما، ويدخلها من يطيعه اقرأْوا إِنْ شئْتم " { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } "[الإِسراء: 15] وروى البزار والحاكم عن ثوبان أًن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" "إِذا كان يوم القيامة جاءَ أَهل الجاهلية يحملون أَوثانهم على ظهورهم فيسأَلهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إِلينا رسولا ولم تأْتنا لك أَمر ولو أَرسلت إِلينا رسولا لكنا أَطوع عبادك، فيقول لهم ربهم أَرأَيتكم إِن أَمرتكم بأَمر تطيعوننى فيقولون نعم، فيأْمرهم أَن يعمدوا إِلى جهنم وأَن يدخلوها فينطلقون حتى إِذا رأَوها فرقوا ورجعوا، وقالوا: ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أَن ندخلها، فيقول: ادخلوها داخرين فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لو دخلوها أَول مرة كانت عليهم بردا وسلمت" ، وصححه الحاكم، وروى الطبرى وأَبو نعيم عن معاذ بن جبل عن النبى صلى الله عليه وسلم: "يؤْتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك فى الفترة وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ عقلا يا رب لو آتيتنى عقلا ما كان من آتيته عقلا بأَسعد بعقله منى، وذكر فى ميت الفترة والصغير نحو ذلك فيقول الرب إِنى آمركم بأَمر أَفتطيعوننى فيقولون نعم فيقول: اذهبوا فادخلوا النار، فلو دخلوها ما ضرتهم فيخرج إِليهم فرائِض فيظنون أَنها أَهلكت ما خلق الله فيرجعون سراعا ثم يأْمرهم الثانية فيرجعون كذلك فيقول الرب: قبل أَن أَخلقكم علمت بما أَنتم عاملون وعلى علمى خلقتم وإِلى علمى تصيرون ضميهم" ، فتأْخذهم فانظر كيف يكذب الناس على الصحابة، أَما الصبى والمجنون من الطفولية فمعذورون بالحديث المتفق عليه أَنه رفع عنهم القلم، وكذا الأَصم والأَبكم اللذان لا يعقلان بالإِشارة ولا بالكتابة، وأَهل الفترة معذورون فى تفاصيل الشرع مقطوعو العذر فى الإِشراك، فمن وحد منهم ولو يجد من يقول له عذر كيف يقال لهم كذبتم ولم يبلغ لهم مبلغ، وكيف يقول فيهم الله فنقول عنهم فما أَنت بملوم، وكيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغتهم.