التفاسير

< >
عرض

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
٥٧
-هود

تيسير التفسير

{ فَإِنْ تَوَلَّوُا } تتولوا عن الإِيمان مضارع حذفت إِحدى تاءَيه، وقيل ماض، وعليه ففيه التفات إِلى الخطاب عن الغيبة وإِن قدر فقل قد أَبلغتكم فلا التفات، والأَصل عدم الالتفات وعدم التقدير، ولا سيما مع عدم ظهور فائِدة لذلك، والخطاب فى ذلك وفى ما يأْتى من نوح عليه السلام لقومه، وقيل الخطاب فى قوله وربكم، إِلخ من النبى صلى الله عليه وسلم لقريش، كأَنه قيل أَخبرهم عن قصة هود وادعهم إِلى الإِيمان بالله عز وجل لئَلا يصيبهم مثل ما أَصاب قوم هود، والصحيح ما مر، والجواب محذوف تقديره فلا هم. أَو لم أَعاتب أَو لم أُعاقب أَو يعذرنى ونابت عنه علته وهو قوله { فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } أَىْ لأَنى قد أَبلغتكم إلخ، وعليكم الهم الكبير، وأَما تقدير فقد أَديت فلا يكفى فإِنه كلا تقدير لأَنه يستدعى معلولا أَيضاً فلا تهم، ثم يجوز أَن يجعل المذكور جواباً بحيث إِن نفس الإِبلاغ وإِن لم يترتب على التولى لكن الإِخبار بالإبلاغ يترتب عليه، وكما يقصد ترتب المعنى يقصد ترتب الإِخبار كقوله تعالى: " { وما بكم من نعمة فمن الله } "[النحل: 53] الآية. وقيل الجواب قد أَبلغتكم باعتبار لازم معناه المستقبل باعتبار ظهوره، فإِن معناه لا تفريط منى ولا عذر لكم، وعلى هذا النمط بلا مانع قول أَبى حيان إِنه الجواب لأَن تبليغه تضمن عذاب الاستئصال، وكأَنه قيل استؤْصلتم بالعذاب، ويدل له قوله تعالى { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْماً غَيْرَكُمْ } فى أَموالكم ومساكنكم يعبدونه أَو يعصونه ويفعل بهم ما شاءَ، عطف على قوله إِن تولوا إِلخ، أَو على الجواب ولو رفع لأَنه لم يظهر الجزم فى الجواب كما يجوز رفع الجواب إِذا لم يظهر الجزم فى الشرط، ويدل له قراءة ويستخلف بالجزم ولا تضروه بحذف النون، ولا يقدح فى ذلك أَنه لو كان شرطا لم يقرن، وهنا تقدمت الفاءُ فكأَنه قرن بها، لأَنا نقول لم يكن جوابا بالذات بل بالعطف، وأَيضاً يجوز عطفه على مدخول لا عليها مع ما بعدها فقد تسلط عليه معنى قد على هذا { وَلاَ تضُرُّونَهُ شَيْئاً } مفعول مطلق أَى ضرا { إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ } رقيب لى بالحفظ فلا تقدرون على ضرى، وعليكم لا يخفى عنه عملكم ولا يفوته عقابكم. وذكر بعض أَن هاءَ تضرونه لله عز وجل، وحفيظ بمعنى حافظ مستور، وهو كذلك لا يضره شىءٌ.