التفاسير

< >
عرض

وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ
١٨
-يوسف

تيسير التفسير

{ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كِذبٍ } أَى ذى كذب على أَنه مصدر، أَو بدم كاذب جدا على أَنه صفة مبالغة أَو صفة للنسب، أًو وصف بأَنه نفس الكذب مبالغة، وعلى قميصه حال دم أَجاز بعض تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف ولو كان الحرف غير زائِد، وأَجاز بعض بشرط أَن يكون الحال ظرفاً كما هنا، ولا يتعلق بجاءُوا لأَن المجىءَ ليس على القميص؛ إِنما يقال: جاءَ على الفرس مثلا، وذكر بعض أَنه لا بأْس بذلك، وأَن المعنى أَتوا به فوق القميص، وهو تخيل لا يصح؛ فإِنه فى هذه العبارة للحال لأَنهم لم يمشوا فوق القميص حقيقة ولا مجازا، ويجوز أَن يتعلق بجاءُوا على معنى استووا، ومعنى كذبه أَنه ليس دم يوسف مع أَنه دم تحقيقاً، روى أَنهم ذبحوا سخلة، وقيل: ظبيا ولطخوا القميص بدمها وقالوا: هذا دم يوسف، وذهلوا على أَن يخرقوا القميص أَو يثقبوه، ولم يوفقوا فى كل حيلهم إِلى حيلة تصح فى النظر، أَلا ترى كيف فتحوا باب الكذب فى قولهم: " { وما أَنت بمؤْمن لنا } "[يوسف: 17] ولما جاءُوا بالقميص أَلقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص، وقال إِنكاراً عليهم: وما رأَيت كاليوم ذئْباً أَحلم من هذا، أَكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه، ويروى أنهم أَتوا بذئْب وقالوا هذا هو الذى أكله فقال يعقوب عليه السلام أَيها الذئْب أَنت أَكلت ولدى وثمرة فؤَادى؟ فأنطقه الله - عز وجل - وأَفهمه فقال: والله ما أكلت ولدك ولا رأيته قط، ولا يحل لنا أَن نأْكل لحوم الأَنبياء، فقال له: وكيف وقعت فى أَرض كنعان؟ فقال: جئْت لصلة الرحم، وهى قرابة لى فأَخذونى وأَتوا بى إٍليك، فأَطلقه يعقوب، وفيه وعظ لهم فى قطع الرحم، وهم عقلاءُ، وقد وصلها الذئْب من بعيد، والذين توهم أَنهم أَنبياءُ، أَو أَراد لحوم أَولاد الأَنبياءَ، أَو لحوم الأَنبياء يوسف، والأَنبياء قبله أَو بعده { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسَكُمْ } زينت أَو سهلت من التسويل بمعنى جعل الشىء مسترخياً، أَو تقدير الشىءِ فى النفس مع الطمع فى إِتمامه والحرص { أَمْراً } عظيماً وهونتموه لم يأْكله الذئْب { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أَى فأَمرى صبر جميل، أَو فصبر جميل أمرى، أَو فصبر جميل أَجمل، أَو فالذى أفعله صبر جميل، أَو على صبر جميل، وفى الحديث:" "الصبر الجميل الذى لا شكوى فيه" ، أى لأَحد غير الله ولا جزع، وأَما إَلى الله على التضرع فجائِز ولو بلغ من الصبر أن لا يشكو إٍليه - عز وجل - وإِلى أَن يفرج به لكان أَولى، ومراد يعقوب أَن لا يشكو لأًحد، لا أَن يشكو ولو إٍلى الله لقوله: " { إِنما أَشكو بثى وحزنى إِلى الله } "[يوسف: 86] روى أَنه سقط حاجباه على عينيه فكان يرفعهما بعصابة، فقال له جبريل أو غيره، ما هذا؟ فقال: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأًوحى الله - عز وجل - إليه: يا يعقوب أَتشكو فقال: يا ربى خطيئَة فاغفرها لى، وروى أنه لما قال: " { إِنما أَشكو بثى وحزنى إِلى الله } "[يوسف: 86] قال له جبريل عليه السلام: ربك أَعلم بك { وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ } المطلوب منه الإِعانة { عَلَى مَا تَصِفُونَ } على تحمل ما تصفون، على ما تصفونه من موت يوسف، أًو على وصفكم لموته، وذلك أنه جزع بتصور وصفهم لا بتحقيقه؛ لأَنه غير متحقق، وإٍنما جزع بتصوره لأَنه يتضمن تفريقاً بينه وبين يوسف، والوصف تارة كاذب كما فى الآية، وفى قوله: " { سبحَان ربك } "[الصافات: 180] إلخ، وتارة صادق، ومعنى استعانته بالله - عز وجل - إِظهار كذبهم كما قال بعد قوله بعد: { فصبر جميل عسى الله أَن يأتينى بهم جميعاً } وقيل: الاستعانة عل تحمل ما تصفون من موته.