التفاسير

< >
عرض

وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
-يوسف

تيسير التفسير

{ وَرَاوَدتْهُ } طالبته، من راد يرود إِذا جاءَ وذهب، أَو رفق فى طلب شىءٍ، وكان بصيغةِ المفاعلة بين اثنين مع أَن يوسف لم يطلبها للمبالغة، أَو عبر بصيغة المفاعلة بين اثنين تنزيلا للسبب الذى هو جمال يوسف، وكونه مملوكاً لها أَو لزوجها وكونه فى دارها منزلة المسبب وهو الطلب كمطالبة الدائن ومماطلة المدين؛ فإِنه لا مطالبة للمدين ولا مماطلة للدائن، ومداواة الطبيب للمريض فإنه لا مداواة للمريض، لكن لما كانت دوافع من المدين والدائن، والطبيب والمريض، فنزلت منزلة المفاعلة، أَو ذلك مراعاة لكونها طلبت منه الفعل فطلب منها الترك، أَو المعنى لاينته مخادعة له ليطاوعها والمفاعلة على بابها لأَنه أَيضا لاينها فى الامتناع منها، إذ امتنع بلا ضرب لها أَو للمبالغة { الَّتَى هُوَ } أَى يوسف { فِى بَيْتِهَا } ولم يذكر اسمها كزليخاءَ أَو راعيل ستراً عليها ولاستهجان ذكرها أَو لكراهة جمع الزاى والخاء، وفى قوله: بيتها، إعلان عظيم بنزاهة يوسف وورعه إِذ كان فى بيتها برضاها وخلوه بها مع أَنها المطالبة له، ومع جمالها ولملكها له ولم يوافقها، وأَضاف البيت إِليها مع أَنه للعزيز فيما يظهر لأَن النساءَ يلزمن البيت ويقمن بمصالحه كما قال الله - جل وعلا -: " { وقرن فى بيوتكن } "[الأَحزاب: 33] { عَن نَّفْسِهِ } عدَّى راود بعن لتضمنه معنى المخادعة بمعنى أَنها طالبته بأَن تنتقل عنه إِليها نفسه الأَمارة بالسوءِ، أَو ذاته فيواقعها { وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ } التشديد للمبالغة بأَن أَغلقتها إغلاقا عظيما، أَو للتكثير بأَن قفلتها بقفلين أَو ثلاثة مثلا، أَو أَسندت إِليها من داخل مالا يطاق من خارج، أو لكثرة الأَبواب، وقد قيل: إِنها سبعة وأَغلقتها كلها وذلك كثير، ولو كانت ثلاثة أَو أَكثر مما هو دون جمع القلة، ولا يخفى أَن فى جعل الأَبواب بابا، أَو أَن كل جزءٍ من الباب باب، ودعوى أَن إِغلاقه بأَقفال تنزيل بمنزلة تعدد الباب تكلف كتكلف من قال بزيادة الواو فى ولنعلمه، وقيل: أَغلقت باب الحجرة وباب الدار وهما فى الحجرة، ووجه المبالغة، بالتشديد أَنه يجوز أَغلقت الأَبواب بالهمزة وعدل عنه إِلى التشديد كذا قيل، ولا أَسلم أَن ذلك مبالغة سوى أَنه تشديد كتشديد المبالغة، وإِن صح غلقت الباب بالتخفيف جائز فصحيح، فالمبالغة ظاهرة فى التشديد وإِلا فلا يحمل القرآن على اللغة الرديئة ببناءِ التشديد عليها { وَقَالَتْ هَيْتَ } اسم فعل بمعنى أَقبل مبادرا، أَو تهيأْت، فعلى الأَول اسم فعل الأَمر وعلى الثانى اسم الفعل الماضى، أَخبرت عن نفسها بأَنى قد تهيأْت لك، وهو عربى لا سريانى كما قيل عن ابن عباس، ولا قبطى كما قيل عن السدى { لَكَ } اللام للبيان كأَنه قيل أَمرى بالإِقبال هو لك، أَو خطابى لك، أَو هذا الكلام مقول لك، أَو تهيؤى لك، وحرف الجر لايتعلق باسم الفعل، وقيل يتعلق، فيجوز أَن يعلق لك بهيت، فيجوز أَن تقول صه لى { قَالَ مَعَاذَ اللهِِ } مصدر ميمى بمعنى عياذة الله، وأًصله أَعوذ بالله معاذاً أَى أَعتصم به اعتصاما عن الزنا مطلقا، ولا سيما بزوج سيدى، وحذف الفعل وناب عنه معاذ، وأُخر لفظ الجلالة وأُضيف إِليه { إِنَّهُ } أَى العزيز زوجك دل عليه بالمقام، أَو أَن الشأْن أَو أَن الله { رَبِّى } خبر إِن على أَن الهاءَ للعزيز أَو لله { أَحْسَنَ مَثْواىَ } خبر ثان أَو خبر وربى بدل أَو بيان، وعلى الشأْن فربى مبتدأُ، أَحسن الله مقامى فلا أَعصيه بالزنا، أَو سيدى فلا أَخونه فى زوجه، وقد قال لها أَكرمى مثواه، وكذلك يقول: أَحسن الله مثواى بالعزيز، ويترجح رد الهاءِ لله تعالى، لأَن المتبادر أَنه عليه السلام لا يطلق على مخلوق أَنه ربه، ولو احتمل أَنه أَراد العزيز بمعنى السيد فإنه اشتراه { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } لأَنفسهم بالزنا، أَو لأَصحاب الأَزواج بأَزواجهم، والمزنى بها مظلومة فى حقها عند الله ولو أَباحته، ولو لم يكن لها زوج، أَو الظالمون مطلقا فيدخل الظلم بالزنا بالأَولى، ومن زنا بامرأة ولو مات زوجها عنها فقد ظلمه كرهت أو رضيت،والإفلاح الدخول فى الفلاح، والفلاح دنيوى، وهو البقاءُ والغنى والعز، وأُخروى وهو البقاءُ والغنى والعز والعلم الدائمات، ولذلك قيل: لا عيش إِلآ عيش الآخرة.