التفاسير

< >
عرض

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
٢٦
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
٢٧
-يوسف

تيسير التفسير

{ قَالَ هِى رَاوَدَتْنِى عَنْ نَفْسِى } هذه عبارة تخصيص وكأَنها حصر، والمعنى هى راودتنى ولم أَراودها، وذلك لوجود إِسنادين أًقوى من قوله قال: راودتنى، وقال ذلك تبرئة لنفسه عما لوثت به عرضه، ولئَلا يسجن أَو يعذب، ولم يكن ليقول ذلك، أَو لولا أَنها قالت لم يقل، ومع ذلك أَيضاً تأدب معها إِذ لم يقل: هذه أَو أَنت استحياءً عن لفظ الحضور، والغيبة فى اصطلاح النحاة ما ليس بخطاب أًو تكلم ولو مع حضور فلم ينصفوا لابن مالك إِذ ردوا عليه قوله: فما لذى غيبة أَو حضور، إِلخ بقوله تعالى: { هى راودتنى } وقوله تعالى: " { يا أَبت استأْجره } "[القصص: 26] قالته وموسى عليه السلام حاضر { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } ابن عمها أًو ابن خالها أَو ابن عمه رجل له لحية، وروى أنه شيخ كبير حكيم كان مع الملك حينئذ، واتفق أنه أراد الدخول عليها، فقال قد سمعنا الجلبة من وراءِ الباب وصوت شق القميص؛ إِلا أَنا لا ندرى أَيكما قدام صاحبه، ولكن إِن كان قميصه إِلخ، وفى كونه من أَهلها زيادة تبرئة لجانب يوسف، إِذ شهد على قريبته لا عليه، وأَيضاً يبعد بسط المملوك يده إِلى زوج سيده، وأَيضاً شاهدوا أَنه هرب والطالب لا يهرب فى بدءِ أَمره، وأَيضاً أَنها تزينت بأَكمل زينة، وأَيضاً ما رأَو منه قبل ذلك ما يريبه، وقيل: كان فى المهد صبياً، ابن خالتها، وقيل: هذا الصبى ابن أُختها، وكانت هى وزوجها يحبان الصبيان؛ لأَنهما لا ولد لهما، أَنطقه الله لهما، قال صلى الله عليه وسلم: " "تكلم أَربعة صغاراً ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، صاحب جريج، وعيسى ابن مريم " " وفى حديث آخر: "ثلاثة، عيسى، وصاحب جريج، وصبى كان يرضع فمر راكب فقالت أَمه: اللهم اجعله مثل هذا فترك الثدى وقال: اللهم لا تجعلنى مثله" ، والعدد لا يفيد الحصر، قال بعض:

تكلم فى المهد النبى محمد ويحيى وعيسى والخليل ومريم
ومبرى جريج ثم شاهد يوسف وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
وطفل عليه مر بالأمة التى يقال لها زنت ولا تتكلم
وماشطة فى عهد فرعون طفلها وفى زمن الهادى المبارك يختم

وجعل الله الشاهد من أَهلها إِلزاماً للحجة، ويجوز أَن يكون الشاهد معهما فى الدار فى موضع آخر منها، أًو هناك ولم تشعر به، وفسر مجاهد الشاهد بالحاكم، وجملة قوله { إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهُوَ مِنَ الصَّادِقين } مفعول به لشهد محكية به لأَنه بمعنى قال، وإِما أَن يقدر وشهد شاهد، فقال: إِن كان إِلخ فلا لأًنه يقال: فبم شهد؟ وإن كان الفاءُ تفصيلاً عادت إِلى معنى القول فمن أًول الأًمر تفسر بالقول، أَو شبه الحكم بصدقها على فرض قد القُبُل وبكذبها على فرض قد الدبر بشهادته على يوسف بالصدق لجامع إِثبات الصدق، فهو بذلك الفرض كشاهد بصدقه وحذف قد أًو المبتدأُ، والتقدير فهى صدقت أو فقد صدقت أًو فهى كذبت أًو فقد كذبت؛ لأًن صدق وكذب يصلحان شرطاً فلا يقعان جواباً بالفاءِ، والمراد ظهر صدقها وظهر كذبها، يفسر كان بتبيين وبه يصح الاستقبال، ووجه القد من قبل أَن يقبل عليها فتدفعه فينقد قميصه بضربها إٍياه، أًو بجبذه جانباً دفعا له عنها فالقد فعلها، أَو تهرب عنه ويتبعها فينقد لعثوره بذيله فالقد فعله، وهروبها سببه، ووجه القد من دبر أَن تمسكه بعد ذهابه ويبعد أًن تمسكه من خلفه فينقد من قدامه وبالعكس، والقائِل إِن كان قميصه هو الشاهد، ولو صبيا هناك فى المهد أًنطقه الله بذلك، أَو المعنى حضر حاضر من أَهلها قائلا إِن كان قميصه.