التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨٦
يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٧
-يوسف

تيسير التفسير

{ قَالَ } مجيبا لهم بأَنه لا يذكر يوسف مهملا أَو جزعا بل يذكره تضرعا إِلى الله { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وحُزْنِى إِلَى اللهِ } لا إلى غيره، البث تفريق الشىءِ وإِظهاره منتشرا كبث الريح التراب، واستعمل فيما لا يطاق ففرق على متعدد فهو بمعنى مفعول واستعارة تصريحية، أَو بمعنى فاعل أى الغم الذى فرق الفكر وهو أَشد الحزن، فكأَنه قال: أَشكو حزنى الشديد وحزنى الذى دونه إلى الله لا إلى غيره لا قدرة له على إزالته، ولا يخيب داعيه { وَأَعْلمُ مِنَ اللهِ مَالاَ تَعْلَمُونَ } من رحمته ومن حياة يوسف، زاره عزرائِيل فقال له: أَيها الملك الطيب ريحه الحسن صورته الكريم على ربه، هل قبضت روح ابنى يوسف؟ قال: لا، فطابت نفسه، ولذلك قال: { وأَعلم من الله مالا تعلمون } وأَيضا علم برؤيا يوسف أًن إخوته يسجدون له، وأيضاً لما أُخبر بحسن سيرة ملك مصر وديانته رجا أَنه يوسف، وعلم أَنه حى ولا يدرى أَين هو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان ليعقوب أَخ فى الله فقال له: ما الذى أَذهب بصرك؟ قال: البكاءُ على يوسف، قال: وما قوس ظهرك؟ قال: الحزن على بنيامين" . وقال له جبريل: إِن الله يقرئك السلام ويقول لك: أَما تستحى تشكو إلى غيرى، فقال: إنما أَشكو بثى وحزنى إلى الله، فقال جبريل: ربك أَعلم منك، أَو والله أَعلم بما تشكو، كأَنه أَشار إِلى ما قد لا يخلو عنه البشر طبعا، أَو كره الله منه أن يقول بحضرة الناس: يا أَسفى على يوسف، مع أنه لم يشك إليهم، وأَخرج بن أبى حاتم عن النضر أنه قال: بلغنى أن يعقوب عليه السلام مكث أربعة وعشرين عاما لا يدرى أَيوسف حى أم ميت حتى تمثل له ملك الموت فقال له: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت فقال: أنشدك بإِله يعقوب عليه السلام هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، فعند ذلك قال ما فى قوله تعالى: { يَا بَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُف وَأَخيِهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ } وقوله لا يدرى أَيوسف حى مخالف لما علم من رؤيا يوسف فإِنه علم بها أَنهم سيجتمعون معه ويسجدون له، وكذا يعقوب وخالة يوسف، وبكلام عزريل وبفتور روبيل بمس بنيامين ولم يأْمرهم بالذهاب إلى موضع معين، ولعله أَمرهم بالذهاب إلى مصر لعلمه بأن فيها بنيامين وروبيل ولأن فيها الملك المحسن فلعله يعينهم على البحث عنهما، وقد روى عبد الله بن يزيد: أَن يعقوب عليه السلام كتب إلى يوسف عليه السلام، من يعقوب صفى الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى ملك مصر، أما بعد، فإنا أهل بيت البلاءِ أُلقى جدى إبراهيم فى النار مشدود اليدين والرجلين، وعمى إسماعيل اغترب فى مكة، وأَبى إسحاق أُمر بذبحه فصبر والأَمر لله - جل وعلا -، ولى ابن أَحب أَولادى إلى وأَتلفه إخوته، وقالوا أكله الذئْب، فذهبت عيناى، وله أخ شقيق أَتسلى به وزعمت أَنه سرق، فإنا أهل بيت لا نسرق، فإِن لم تردده دعوت عليك دعوة تلحق السابع من ولدك، فذهبوا بالكتاب إلى يوسف فى مصر متحسسين عنه، فقيل: بكى لما قرأ الكتاب، كتب إليه: اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا، والتحسس البحث بالحاسة عن الشىءِ كالتجسس بالجيم كما قرىءَ به لكن الغالب فى الجيم البحث عن السوءِ، وبالمهملة على السواءِ، وقيل غالبها الخير كما هنا، ومن خصه بالسوءِ رد عليه بالقراءَة، وقيل هو بالجيم تعرف حال ما، وبالمهملة تعرف ما يدرك بالحس فهو أَعم مما بالمهملة، ومن بمعنى عن أَو للتبعيض على حذف مضاف أى بعض أَخبار يوسف أَو شمعون فعلم أًنه فى مصر باختياره حى يأْذن له أَبوه فى الرجوع أَو يحكم الله، وروح الله ورحمته مستعار من روح القلب وهو استراحة من الغم كأَنه قيل: لا تيأْسوا من راحة لقلوبكم تأْتيكم من الله، أَو مستعار من الروح بمعنى النفس بفتح الفاءِ للفرج، والإِياس من رحمة الدنيا كفر كما هو من رحمة الآخرة كفر، وأَما الإياس من الخلق فجائِز، والكفر هنا بمعنى الشرك، أَو مطلق الفسق، وذلك تغليظ فى الزجر، أَما الفاسق غير المشرك فلقسوة قلبه وإِعراضه، وأَما المشرك فلقصوره عن إِدراك خصال التوحيد، وذكر بعض قومنا: إن الموحد إذا أَيس فإِياسه شرك، وذهبوا يتحسسون.