التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٩٢
ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ
٩٣
-يوسف

تيسير التفسير

{ قَالَ لاَ تَثْرِيب } لا عتاب كثيراً بل قليل كما مر أَنه وبخهم وإن لم يكن فالمبالغة راجعة إلى النفى أَى انتفى التثريب انتفاءً بليغاً وذلك أَن الأَصل ثرب ثرباً كضرب ضرباً شدد للمبالغة، ولما استحقوا المبالغة فى العتاب لمبالغتهم فى الشر تركها عفوا استعارة من التثريب بمعنى إِزالة الشحم فيبقى هزيلا فلوعد ذنوبهم عليهم لزال كمالهم كما زال كمال اللحم { علَيْكُمُ } خبر { الْيَوْمَ } متعلق بما تعلق به عليكم أَو بعليكم لنيابته، ولو علق عليكم بتثريب لنون عند البصريين، وأَجاز البغداديون نصب المشبه بالمضاف بلا تنوين نحو: لا طالع جبلا، ويجوز تقدير الخبر أى لا تثريب يقع عليكم، كما قدر فى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا مانع لما أَعطيت" لا مانع مانع، وعدم التنوين فى ذلك للبناءِ أَو للتخفيف قولان وأَل للعهد الحضورى وهو يومهم ذلك الذى أَظهر لهم يوسف فيه نفسه فإِذا انتفى التثريب فيه مع أنه وقت شدة الغضب انتفى بعد باَولى بل نفيه اليوم نفى لما بعد، أو يتعلق بقوله: { يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ } ذنوبكم التى فى شأْنى، دعاءٌ بليغ حتى كأَنه قد أُجيب فهو يخبر بأَنه وقع الغفران فى الحال ويقع فى وقت مستقبل، ولوح بكونه على صورة الإِخبار إلى العلة كأَنه قيل لا تثريب عليكم لأَنه يغفر لكم الله، ولا يتحقق التعليل لأَن ذلك على الإِنشاءِ لا خارج له، وما قيل من أَن الإِنشَاءَ لا يعمل فيما قبله غلط فكما يقال: إياى ارحم يا رب، يقال: إياى رحم الله بمعنى ارحمنى، وقيل: يغفر إِخبار لفظاً ومعنى وذلك رغبة لتوبتهم، أَو بالوحى، ولو قالوا بعد يا َأبانا استغفر لنا ذنوبنا لأَن المغفرة تطلب ولو حصلت؛ لأَن ذلك مزيد دعاء وتضرع للطمأْنينة، وأَيضاً المستقبل يطلب ما لم يقع ولو وعد به، وأَيضاً لا يدرى وقته فيطلب تعجيله، وأَيضاً طلبوا من يوسف عفوا عن حقه وطلبوا من أَبيهم عفوا عن حقه، وأَيضاً طلبوا من يعقوب مغفرة مقارفتهم من الله بعد ما سامح صاحب الحق { وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ } يتفضل على التائِب بعد مغفرة صغائِره وكبائِره، وكان يغديهم ويعشيهم معه فأَرسلوا إليه: نستحيى منك بإِساءَتنا فقال: لا، لقد تشرفت بكم فى أَهل مصر إِذ علموا أَنكم إٍخوتى وإنى من إبراهيم، ومن قبل يروننى بعين العبودية ويقولون: سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهما هذه المرتبة، والله علم ما يقع من القحط وأَجرى شأْنه على يدى لتبقوا أَنتم وغيركم أَحياءَ، وقد مر من سنيه سنتان وبقى خمس، وقد خالطنى فرعون فى أُموره كلها إلا زوجته، وقال أَتَأْنف أن تأْكل معى فقلت أَنا آنف أَن آكل معك لأنى من بيت إبراهيم، وقال: ما حال أَبى بعدى؟ قالوا: عمى، فقال: { اذْهَبُوا بِقَمِيصِى } مع قميصى { هّذَا } مر أَنه قميص من الجنة ألبس إِبراهيم حين جرد وأُلقى فى النار، وكان معلقاً على يوسف كالتميمة فى شىءٍ فكه جبريل حين أُلقى فى البئْر وأَلبسه إِياه وفيه ريح الجنة، قال جبريل عليه السلام: لا يلقى على مبتلىً إِلا عوفِى، ولم يزل لابساً له أو مستصحباً له وإن رده فى وعائِه فإنه استحضره إِذ قال هذا، وقيل: قميص آخر لبسه فى الحال، قال اذهبوا به ليعقوب ليعلم أَنى برىءٌ مما رميت به وهو الصحيح، وقيل: هو القميص الذى قد، وهذا نعت أَو بيان أًو بدل أَو مفعول لأَعنى أَو خبر لهو { فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى } ليزول همه الذى ضعف به بصره، وكذا ضعف بكثرة البكاءِ فينشرح صدره ويقوى بصره، أو علم أنه يرجع بصره به ولو ذهب كله { يَأْتِ } يصر { بَصِيرا } كما قال فارتد بصيرا أَى صار ورجع، أَو يأْتنى بصيراً كما قال: وأْتونى بأَهلكم أَجمعين، وصح أَن أَباه أَتاه إلى مصر معهم، ولكن لا مانع أنه يصير بصيرا، ويجىءُ بعد، وذلك بعد عماه، أَو كامل البصر بعد نقصه، وعلم يوسف بعماه أَو ضعف بصره بالوحى أَو بإِخبار إِخوته كما مر آنفاً { وأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمعِين } شامل لأًبيه وخالته ونسائِهم وأَولادهم ومواليهم وعبيدهم وأَولادهم، ويبحث فى جعل الأَب من الأًهل وتابعاً ملحقاً، ويجاب ضعفه، ولو عاش بعد ذلك أَربعا وعشرين، فإذا كان لا يلى الأمور كالكسب والرفع والحط فهو كالطفل من جملة الأَهل، وإن كان فى ذلك كراهة جعلنا الإِتيان تغليباً عليه، أو ائتونى أَنتم وأَبى بأَهلكم، وغلب المخاطب، وليس فى هذا إتيان بالأَب والأَهل اثنان وسبعون أَو سبعون أَو ثمانون أو تسعون أو ثلاثة وتسعون أَو ستة وتسعون، ونموا فى مصر حتى خرجوا منها مع موسى، وهم ستمائة أَلف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلا سوى الذرية والهرمى، والذرية ألف ألف ومائتا ألف فيما قيل.