التفاسير

< >
عرض

الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
١
ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
٢
-الرعد

تيسير التفسير

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم * المر } اسم للسورة، أَو حروف من أَوائل أَسماءِ الله، وقد قيل: المعنى أَنا الله أَعلم وأَرى.
{ تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ } الإِشارة إِلى آيات السورة هذه، أَو آيات القرآن، أو إلى أَخبار الرسل المذكورة فى سورة يوسف المشار إليها إجمالا فى آخرها، وحضورها باعتبار تلاوة بعض لبعض فى التلاوة أو فى اللوح المحفوظ أو مع الملك، والكتاب القرآن، وهو الكتاب العجيب المغنى عن الوصف المعروف من بين الكتب، أَو السورة أَو اللوح المحفوظ أَى آيات، هن الكتاب أَو هن السورة أًو بعض من الكتاب، أَو هن السورة، وأَل للكمال أَو للعهد الحضورى أَو الاستغراق مبالغة، والمراد بالكمال كمال السورة فى نفسها لا الفضل على غيرها لأَن قوله: { تلك آيات } مذكورة فى أَوائل سور متعددة فكل واحدة آية كاملة فى ذاتها { وَالَّذِى أُنْزِلَ إِليْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ } نعت آيات، والعطف عطف عام على خاص، أَو عطف صفة على أُخرى لموصوف، أَى تلك آيات الكتاب الجامع بين كونه كتابا، وكونه منزلا من ربك، والكتاب بمعنى المكتوب فى اللوح المحفوظ، أَو فى صحف الملائِكة، والحق خبر لمحذوف أَى هو الحق، أًو الذى مبتدأُ والحق خبره، على هذا فالذى القرآن، أو مع سائِر الوحى إليه صلى الله عليه وسلم، والجملة كالحجة للجملة قبلها فإِن ما هو منزل من الله حقا يكون كاملا لا محالة، وإِذا جعلنا الذى مبتدأً حصل الحصر بتعريف الطرفين مع أَن القياس أَيضا حق، والإِجماع حق والسنة حق، والجواب أَنهن دخلت فى المنزل ضمنا السنة لقوله: - عز وجل -
" { وما آتاكم الرسول } "[الحشر: 7] إلخ، والإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تجتمع أُمتى على الضلالة" الثابت " { وأُولى الأَمر منكم } "[النساء: 59] أَى المجتهدين، وأَما الكتب المتقدمة فلأَن القرآن مصدق لها { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } بأَنه من الله لإِخلالهم بالنظر فى بلاغته الخارجة عن طوق البشر والخلق، وشرع فى ذكر دلائِل السماوات فى أَوائِل السورة بقوله:
{ اللهُ الَّذِى رفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمدٍ تَرَوْنَهَا } إلخ وفى ذكر دلائِل الأَرض بقوله:
" { وهو الذى مد الأَرض } "[الرعد: 3] إلخ، وكذلك قوله تعالى فى أَواخر السورة قبلها: " { وكأََين من آية فى السماوات والأَرض } "[يوسف: 105] ومعنى رفعها نقلها من الجهة السفلى، إِذ كانت على الماءِ، أَو خلقها فى علو، ودلت الآية على أَن لا علاقة للسموات أَيضاً لأَن الآية فى دلائِل قدرة الله، ولو رفعها بلا عمد مع علاقة لم يستعظموا قدرته، ولو كانت بعمد لاحتاجت تلك العمد إلى أُخرى فيتسلسل ذلك وهو محال، ولو كانت بعلاقة لاحتاجت العلاقة لأُخرى، وحاصل الآية أَنه أَمسك السماوات بقدرته حيث هى، ورفعها إِمساكها حيث هى بلا علاقة ولا عمد، وعمد جمع عماد أَو عمود على غير قياس والقياس أَعمدة أَو أَعمد، أَو اسم جمع وذلك كإِهاب وأُهُب وأَديم وأُدم، وأَفيق وأُفق، قيل: ولا خامس لها، وذلك كله رباعى ثالثه مدة جمع على فعل، ويدل على أَنه غير مفرد التأْنيث فى قوله: - عز وجل " { فى عمد ممددة } "[الهمزة: 9] وقيل: هو مفرد مؤنث، والمنفى العمد والرؤية معا، وحاصله أَن لا عمد فضلا عن أَن ترى، وقال مجاهد وعكرمة: نفيت الصفة فقط فالعمد ثابتة لا ترى وهى جبل قاف محيط بالدنيا بعد المحيط من زمرد أَخضر عليه أَطراف السماءِ، وهو كلام غير كاف إذ تبقى السموات، أَو يدعى أَن أَطرافهن كلهن على جبل قاف، ولا ندرى أَصح أم لا، والصواب: أَن العمد على فرض ثبوتها هى القدرة، والقدرة لا ترى وإنما يرى أَثرها فالعمد هى قدرة الله - عز وجل - وهى واحدة ذاتية، وأَما جمعها فتمثيل أو باعتبار تعدد متعلقاتها والجملة نعت لعمد وها لها، ويجوز كونها للسماوات، فالجملة مستأنفة أَو حال من السماوات، ورؤيتنا السماوات برؤية نجومهن وما تقدم أَظهر { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } ملك الأُمور كلها، والأَجسام كلها أَو حفظها ودبرها،أَو خلق الجسم العظيم المسمى عرشاً، وثم للترتيب الذكرى أَو لمجرد العطف، وكل موجود سوى الله متناه لأَنه لو وجد جسم لا يتناهى لزم أَنه قديم غير مخلوق، واعتقاد هذا إشراك، والعرش والسماوات دليل على وجود الصانع ووحدته، وكمال قدرته وعموم علمه فإِن إِمساكهن فى مجالها دليل على أَن لها فاعلا يختار ما شاءَ، من الجائز اختار موضعهن، ولسائِر الأَجسام أَيضاً مجالها فليس بجسم ولا عرض لعجزهما، وعلى ذلك الأُسلوب تغيير الشمس والقمر فى قوله { وسَخَّر الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } ذللهما لما أَراد منهما من حركة سريعة واستدارة فى منازل لو شاءَ لزاد فى سرعتهما أَو نقص، أَو سكنتا أَو دارتا على غير دورانهما، فاختار ما هما عليه على غيره، وجعل حركتهما نافعة فى حصول الفصول الأَربعة وما يترتب عليها من حر وبرد ونبات وثمار { كُلٌّ } منهما { يَجْرِى } فى فلكه { لأَِجَلٍ مُسَمَّى } وهو يوم القيامة، أو دور الحول للشمس والشهر للقمر لا يختلف ذلك واختاره بعض، وبعضهم الأَول كما اختلف فى قوله" { والشمس تجرى لمستقر لها } "[يس: 38] وعندى أَن المراد فى الآيتين الثانى، أَلا ترى إلى قوله: " { ذلك تقدير العزيز العليم } " [يس: 38] مع قوله: " { والقمر قدرناه } " [يس: 39] واستدل الأَول بقوله عز وجل: " { إِذا الشمس كورت * وإِذا النجوم انكدرت } "[التكوير: 1 - 2] ويناسب الثانى أَن التسخير لمنافع العباد، وهى بالفصول لا بيوم القيامة، واللام على كل حال بمعنى إلى { يُدَبِّرُ الأَمْرَ } يقضى أَمر ملكه بإِبقاءٍ وإِحياءٍ وإِماتة وإٍفناءٍ ورزق وإِنزال الوحى والكتب والتكليف والإِغناءِ بعد الفقر والعكس، وكون الأَحمق فى أَهنإِ عيش العاقل الذكى فى عسر وضيق قيل:

كم عاقل عاقل أًعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذى ترك الأَوهام حائِرة وصيَّر العالم النحرير زنديقا

أَى شاكَّا فى وجود الصانع تعالى وأَخطأَ، بل ذلك دليل على وجوده تعالى كما قيل:

كم عاقل عاقل قد كان ذا عسر وجاهل جاهل قد كان ذا يسر
تحير الناس فى هذا فقلت لهم هذا الذى أَوجب الإِيمان بالقدر

وكما قيل:

كم من أَديب فهم قلبه مستكمل العقل فقل عديم
ومن جهول مكثر ماله ذلك تقدير العزيز العليم

{ يُفَصِّلُ الآياتِ } يبين دلائِل قدرته أَو تنوعها، أَو الآيات المتلوَّة أَو يحدث الدلائِل شيئاً بعد شىءٍ { لَعَلَّكُمْ } أَيها الناس عموما، أَو يا أهل مكة، الترجى هنا بمعنى الاختيار، أَو لعل للتعليل { بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } توقنون بلقائِه بالبعث، وكأَنه يفصل آياته فى كتابه أَو كتبه المنزلة لعلكم توقنون بالجزاءِ، وأن هذا المدبر المفصل لا بد لكم من الرجوع إليه فإٍنه لا يخلقكم عبثا، وبأَن القادر على خلق السموات، والأَرض والشمس والقمر وسائِر الحوادث قادر أَن يبعثكم.