التفاسير

< >
عرض

وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ
٢٢
-الرعد

تيسير التفسير

{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا } علىالطاعة وتجويدها فى إِخلاص فرضا ونفلا، وعلى المصائِب وعن المعاصى، والنفل لا يلزم ولكن لما كان تارك السنن المؤكدة لا يتولى إِن لم تسبق له الولاية أُدرجت النفل فى الآية { ابْتِغَاءَ وَجْهِ ربِّهِمْ } ذوى ابتغاءِ ثواب وجه ربهم، أَو مبتغين لثوابه أَو لابتغائِه، لا ابتغاءِ عرض الدنيا بالصبر كالمال والشهرة بالصبر فى ذلك والرياءُ وما هو من جانب الخلق، وحذر أَن لا تشمت به الأَعداء { وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ } المفروضة، وأَما غير المفروضة إِن أَتوابها متهاونين فمن سوءِ الأَخلاق، وسوءِ الأَخلاق يجر إِلى سائِر الذنوب، ويجوز تفسير الآية بالصلاة الواجبة وغير الواجبة حملا للكلام على المدح لصفات الخير، ولو كان الإِخلال بالنفل لا تدخل به النار، ومن تضييع الصلاة الجمع بين الصلاتين بلا ضرورة فقد خلى الثانية ومن وقتها إِذا جمع قبله ولو كان فى السفر إِذا كان فى قرية آمنا وأَجزتهم على قول اشتراك الأُولى والثانية من أَول وقت الأُولى إِلى أَواخر وقت الثانية، وتقرر أَنه من جمع بين الصلاتين بلا عذر أَجزتاه، ولا ثواب، وعطف قوله: يخافون على قوله: يخشون عطف خاص على عام، وكذا عطف قوله: وأَقاموا الصلاة { وأَنْفَقُوا } على قوله: صبروا { مِمَّا رَزَقْناهُمْ } أَى بعضه وهو ما وجب من الزكاة والضيافة ونفقة الأَصل الواجبة وتنجية المضطر، ويقال أَيضا: لا بأْس بإِدراج النفل لأَن المقام مقام مدح، وترك اللذة المباحة، ولو كان الإِخلال بالنفل لا يدخل النار { سِرَّا وَعَلاَنِيةً } بأَى حال اتفقت لحرصهم علىالطاعة لا يُؤخرون الفرض إِلى وقت العلانية، ولا النفل إلى وقت السر" { وسارعوا إِلى مغفرة من ربكم } " [آل عمران: 133] أَو سرا فى النفل وعلانية فى الفرض لأَن من شأْن الفرض الإِعلان قال الحسن: المراد الزكاة المفروضة فإِن عرف بالمال أَداها جهرا وإِلا فسرا، ولا مانع من رد سرا وعلانية إِلى الصلاة والإِنفاق معا، ونصبهما على الظرفية أَى وقت سر ووقت علانية، أَو حال، أَى ذوى سر وذوى إِعلان، أَو مسرين ومعلنين { وَيَدْرَءُونَ } يدفعون { بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } كالجهل بالحلم والأَذى بالصبر والحرمان بالعطاءِ والجفاءِ بالأَدب مع الجافى، وما يؤدى إِلى سوءٍ ترك، كما جاءَ من الجفاءِ الإِقبال على من أَعرض، أَو يتبع السيئَةَ بالحسنةِ قال صلى الله عليه وسلم: " "إِذا عملت سيئَة فاعمل بجنبها حسنة تمحها" أَو يدفعون المعصية بالتوبة، دخل شفيق البلخى على عبد الله ابن المبارك أَو بالعكس وهو المشهور متنكرا فقال: إِذا منعوا صبروا وإِذا أُعطوا شكروا، فقال شفيق: هذه صفة كلابنا ببلخ، أَو قال عبد الله هذه صفة كلابنا، فقال أَحدهما للآخر فكيف الأَمر؟ فقال: إِذا منعوا شكروا وإِن أُعطوا آثروا، ويزاد على ذلك أَنهم يجزون الظالم بالمغفرة والمسىءَ بالإِحسان، كما قيل:

يجزون من ظلم أَهل الظلم مغفرة ومن إِساءَة أَهل السوءِ إِحسانا

{ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } العاقبة المحمودة فى الدار الآخرة، والدار الآخرة ما بعد الموت، شاملة للجنة والنار، والمحمودة منها الجنة، وهى المراد هنا، أَو الدار الدنيا وعقباها الجنة؛ لأَنها تجىءُ بعدها ونتيجة لها لمن اتخذها مطية إِلى الخير، وينتهى بشأْن الدنيا إلى الآخرة بجنة أَو نار، والمراد هنا الجنة.