التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ
١٣
وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ
١٤
-إبراهيم

تيسير التفسير

{ وقَالَ الَّذِينَ كَفرُوا لِرُسُلِهِمْ } هم الكفرة المتمردون المؤذون للرسل القائلون إِن أَنتم إِلا بشر إِلخ، أَو الكفار مطلقا فإِن ضعفاءَهم راضون بالقول فكأَنهم قالوا لرسلهم { لَنُخْرِجنَّكُمْ } لمخالفتكم ملتنا { مِنْ أَرْضِنَا } لكثرة الكفرة ومعاضدتهم وقبحهم ينسبون الأَرض لأَنفسهم مع أَنها مشتركة بينهم وبين المسلمين، والمسلمون أَحق بها كما قال كفار قريش يوم الحديبية: ارجع العام لئَلا يتحدث الناس أَنك دخلت مدينتنا وأَرضنا بغير إِذننا { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا } لتصيرن فى ملتنا، أَو لتدخلن فى ملتنا، وإِلا فليسوا فيها، قيل: فعبر بالمطلق عن المقيد الذى هو الكون فى الشىءِ بعد الانصراف عنه، أَو هو على ظاهره، توهموا أَن الرسل أَشركوا، قيل: لأَنهم نشأُوا معهم فى أَرض الشرك، إِذا ربما لم ينهوا المتمردين قبل الإِرسال لعدم قدرتهم، ولو نهوا غيرهم، أَو الخطاب لمجموع الرسل، ومن آمن بعد إِشراكه من أَتباع، فغلبوا على الرسل لأَنهم أَكثر وقد كانوا فى الشرك، وغلبوا الرسل عليهم فى الخطاب على أَن أَتباعهم غير حاضرين فى حال الخطاب، حصروا أَمرهم فى أَحد أَمرين: مقدور لهم وهو الإِخراج، وغير مقدور، فروعى المقدور عليه فكفى عن غيره وهو الكون فى ملتهم، أَو ادعوا القدرة على إِجبارهم إلى الملة، والمراد على الأَول، إِن لم تدخلوها أَخرجناكم، ويدل على أَن الخطاب للرسل خطابهم شعيبا بقولهم أَو لتعودن { فَأَوْحى } بعد هذه المحاورة بسببها { إِلَيْهِم رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمينَ } هؤلاءِ الكفرة المتمردين وأَهلكهم بعضا بالغرق وبعضا بالريح وبعضا بالصيحة وبعضا بالبعوض وهكذا، ولم يقل لنهلكنهم ليحضر فى اللفظ موجب الإِهلاك، وهو الظلم بالإِشراك، وظلم غيرهم { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ } بعد إِهلاكهم، وهى شاملة للديار والأَُصول، والأَرض هى المذكورة التى قالوا فيها: لنخرجنكم، وجملة القسم وجوابه مفعول لأَوحينا لتضمنه معنى قلنا، أَو يقدر القول، والذى لا محل له أَبدا هو الجواب لا مع القسم، وهذا الخطاب للرسل وأَتباعهم كقوله تعالى:" { وأَورثنا القوم } "[الأعراف: 137] الاية، قال صلى الله عليه وسلم: " "من آذى جاره أَورثه الله داره" قال فى الكشاف: كان لى خال يظلمه عظيم القرية التى أَنا منها ويؤذينى فيه، فمات، فملكنى الله ضيعته، فنظرت يوما إِلى أَبناءِ خالى يترددون فيها، ويدخلون فى دورها ويأْمرون وينهون، فذكرت لهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجدنا شكرا لله تعالى { ذلِكَ } أَى ما ذكر من الإِهلاك والإِسكان، أَو ذلك الإسكان { لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ } نهلك له الظالمين ونسكنه كما فعلنا بمن ذكر قبل هذه الأُمة، أَو المراد من ذكر على معنى التقابل أَى لأَنهم خافوا مقامنا ووعيدنا ومقامى، فموقفى وهو الموقف الذى يقف فيه المكلف، وأَضافه لنفسه لا لكونه يقف فيه - حاشاه - بل لأَنه ملكه خلقه ليحكم فيه للعبد أَو عليه، أَو زمان قيامى على كل نفس بما كسبت للجزاءِ لا أَنسى ولا يفوتنى شىءٌ، أَو خاف قيامى بذلك، ويبعد أَن يكون من إِقحام الاسم أَى لمن خافنى، فزاد لفظ مقام كقوله: ثم اسم السلام، ودمشق الشام وبغداد العراق، بزيادة الشام والعراق، وإِلى حضرتكم وسلام على مجلسكم لأَن ذلك ضعيف مع احتمال بعض هذه الأَمثلة، والوعيد، الإِخبار بالشر على أَهله، أَو بمعنى موعودى السىءِ على الكفر، وكرر الخوف لمبالغتهم فى الخوف، أَو لأَن الأَول خوف إِجلال، والثانى خوف عقاب.