التفاسير

< >
عرض

رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ
٤٠
رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ
٤١
-إبراهيم

تيسير التفسير

{ رَبِّ اجْعلْنِى مُقِيمَ الصَّلاَةِ } بشروطها وشطورها والدوام عليها، وترك الدوام عليها غير إقامة لها، فالدوام عليها إقامة لها حقيقة كشطورها وشروطها لا مجاز، فليس فى ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز، أعنى أنها حقيقة عرفية شريعة، كما أن إطلاق الإقامة فى شطورها وشروطها حقيقة كذلك، والإِقامة فى اللغة تقويم الجسم كالعود { ومِنْ ذُرِّيَّتِى } من للابتداءِ وللاستغراق فيه، فيصدق بما إذا جعل بعض ذريته، كما إذا جعلت للتبعيض، والتقدير واجعل قوما من ذريتى مقيمى الصلاة، ولو عطف على الياء لقيل: مقيمى الصلاة بالجمع، إلا على طريق العطف على معمولى عامل، أَى اجعلنى مقيم الصلاة وقوما من ذريتى مقيميها، والتبعيض لعلمه بالوحى أن من ذريته كفارا، أَو باستقراره أَن الأُمم لم تخل من كفار { رَبَّنَا وتَقَبَّلْ دُعَاءِ } ما زال يكرر ذكر الله مبالغة فى التضرع، والمراد الدعاءُ المذكور، أَو المقصود بالدعاءِ هنا العبادة فلا تكرير، أَو قوله: ربنا متعلق بقوله: ومن ذريتى فلا تكرير أيضا، وكذا إن أُريد الدعاءُ الماضى والآتى فلا تكرير، ومن الاتى قوله:
{ رَبِّنَا اغْفِرْ لِى } هذا قبل أن يعلم بالعصمة فخاف صدور الذنوب منه بعد، أَو خاف أن يكون قد أَذنب ولم يعلم، أَو اغفر لى ما فعلته أَو أَفعله من مكروه أَو مالا ينبغى، أَو مالا يعد فى حق الأَنبياءِ، ويعد فى حق غيرهم، أَو تضرعا وتعظيما لله عز وجل - وهضما لنفسه { ولِوَالِدىَّ } قاله قبل أَن يعلم أَن أباه شقى، أَجاز الله الدعاء بالمغفرة لاحتمال أنه يتوب، وقد علم الله أنه لا يتوب ثم بين الله له أنه لا يتوب ونهاه عن الاستغفار له، وأَما أُمه فقيل: آمنت، وقيل لم تؤمن، وقالت الشيعة أبواه مؤمنان وأَبوه الكافر جده لأُمه أو عمه، وقيل أَن أُمه مؤمنه وأن أَباه نوح، ويبعد ما قيل أَنه أَراد بوالديه آدم وحواءَ، وقيل: أَراد أَباه وأُمه على شرط التوبة، أَو أَراد بالتوبة سببها وهو الإسلام كأَنه قال: اللهم اهدهما للأسلام، كما تقول الأنبياء: اللهم اهد قومى، ويبحث بأَنه لو كان كذلك لزم نسخ جواز اللهم اهد قومى لقوله تعالى:
" { وما كان استغفار إبراهيم } " [التوبة: 114] الخ فيجاب بأَن الاستغفار على هذا لا يجوز، ولو أُريد به الهداية فيجوز اللهم إِهده، ولا يجوز اللهم اغفر له، ولو أُريد به طلب الهداية وفى ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز، أَو يقدر واغفر لوالدى أَو من عموم المجاز { وَلِلْمُؤْمِنينَ } عمم بعد تخصيص نفسه وذريته وقدم نفسه لأَن ذلك هو الأحق، وأَما ذريته ففى دعاء آخر وخصها لأنها أحق كنفس الإنسان,، ولأن إيمان ذريته سبب لإيمان الأَتباع، قال الشعبى: ما يسرنى من دعوة نوح وإبراهيم عليهما السلام للمؤمنين والمؤمنات حمر النعم { يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ } يثبت، شبه ثبوته بالقيام على القدمين، وجعله من حسنه تأْكيدا للمفعول بالمحسوس فاشتق منه على الاستعارة التبعية يقوم بعنى يثبت أو شبه الحساب بالإنسان ورمز إليه بلازم الإنسان، وهو القيام على القدمين الذى إثباته تخييلية لهذه المكنية المرموز إليها، ووجه الشبه الظهور والتشدد إِلى شىءٍ، أَو يقدر مضاف، أَى يوم يقوم أَهل الحساب إلى الحساب، أَو أَهل الحساب إليه فحذف وأسند القيام إلى الحساب مجازا عقليا.