التفاسير

< >
عرض

وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
٢٦
إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً
٢٧
-الإسراء

تيسير التفسير

وذكر حق القرابة بعد الوالدين بقوله: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } أى اجعل حق ذى القرابة منك آتيا إياه، وواصلا إِليه، فكأنه قيل أعط ذا القربى حقه من جهة الأب أو الأم أو جهتهما احتاج أو لم يحتج، من مال أو نفع أو سلام، وإن احتاجوا ولا مكسب لهم، وجب عليه الإنفاق عليهم بقدر الإرث فيما بين العصبة، والبسط فى النفقة، ويجب عليه حق قرابة الأم إن احتاجوا أولا عصبة لهم أو لهم عصبة امتنعوا، أعنى يجب عليه أن لا يتركهم فيموتوا، وأنه قبل غيره من الأباعد، ولا يحكم عليه بذلك.
وعن أبى حنيفة: يجب على الموسر مواساة أقاربه إذا كانوا محارم كالأخ والأخت.
وقال الشافعى: لا يجب الإنفاق إلا علىالولد والوالدين، ومن حق القرابة الزيارة وحسن العشرة.
وذكر ذى القربى تعميم بعد تخصيص بأن ذا القربى يتناول الوالدين لغة، ولو لم يتناولهما عرفا، قال صلى الله عليه وسلم:
"مَن قال لأبيه قريبى فقد عقّه" فلو أوصى لقرابته لم يدخل الوالدان، والوصية تجرى على العرف إذا كان وإلا فعلى اللغة.
ويبحث فيما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت الآية نادى فاطمة رضى الله عنها، فأعطاها فدكَ فإنه إذا كانت البنت قريبة لأبيها، فالأب قريب لها إِلا أنا لا نسلم عطاء فدك لأن الآية مكية، وفدك ملكت فى المدينة إلا أن يقال علم أنه سيملكها فوهبها لفاطمة رضى الله عنها.
وقيل: ذا القربى قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجب علينا الإنفاق عليهم إن احتاجوا، وتوقيرهم وحقهم من الخمس ولا دليل لهذا التخصيص، قال على ابن الحسين بن علىّ بن أبى طالب الشامى: أقرأت { آت ذا القربى حقه } قال: فأقم للقربى فى الآية؟ قال نعم.
{ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } عطف على ذا القربى، والمعطوف على حقه محذوف، أى والمسكين وابن السبيل حقهما.
{ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } لا تفرق المال، والتبذير التفريق مأخوذ من التبذير وهو إلقاء البذر فى الأرض كيف ما كان من غير تعهد لمواقعه، قال ابن مسعود رضى الله عنه: التبذير إنفاق المال فى غير حقه، وذلك هو صرفة إلى من لا يستحقه، وقيل: الإسراف تجاوز فى الكمية، والتبذير: تجاوز فى موضع الحق، والظاهر أنهما سواء وعدو منهما تشييد الدار، واستدل بعض على أن المراد الإنفاق فى المعصية بقوله تعالى:
{ إن الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } وما أنفق فى معصية، لو فيما لا نفع فيه ولو حبة، فإنفاقه تبذير،
"روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد، وهو يتوضأ: ما هذا السَّرَف؟ قال: أفى الوضوء سَرَف؟ قال: وإن كنتَ على نهر" رواه أحمد بن عبد الله بن عمر صحيحا، ومعنى إخوان الشياطين أشباه الشياطين، كما يشبه الرجل أخاه من النسب، فهم كالشياطين فى المعصية، جمعتهم المعصية، كما يجمع الإخوان أبوهم، أو أحباء الشياطين، كأنهم أحبوهم لاتباعهم فى المعصية وذلك تشبيه، ولا محبة، لكن شهرا بمن أحب أحداً فاتبعه، ومن ذلك ما يصرفون فى الأزلام والمياسر والمفاخر، ينحرون الإبل فى ذلك، ولا يحل لكل ذلك، لأنه ميتة.
وكذلك فعل الفرزدق أو أبوه فى الإسلام، فأفتى علىّ بأنها حرام لا تؤكل وكل ما فعل للرياء إسراف.
{ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ } أى لنعم ربه { كَفُورًا } مبالغة فى الكفر، فلا يقتدى بأحد فى الكفر ولو قلّ بل الكفر وإن قل عظيم، والكافر خبيث، ومن خبث لا ينهى اتباعه ولو فيما أقل من كفره، وصرف المال فى المعصية ضد الشكر به، وهو صرفه فى الطاعة.