التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ
١٢٨
-البقرة

تيسير التفسير

{ رَبَّنَا } تأكيد للأول، أو استجب دعاءنا يا ربنا { وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِينَ لَكَ } منقادين إليك أو مخلصين لك أعمالنا { وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً } واجعل من ذريتنا أمة { مُّسْلِمَةً لَّكَ } طلب البعضَ لعلمه من قوله " { وَلاَ ينالُ عهدي الظالمين } " [البقرة: 124] أى من ذريته من لا يكون مسلما لله، واختار الذرية لأنها أحق بالشفقة، وأنذر عشيرتك الأقربين، قوا أنفسكم وأهليكم ناراً. ولم يلغ غيرهم، لأن صلاح بعض الذرية صلاح لغيرهم من الأتباع، وقد أوقع الله ذلك، فأخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم إذ قال، ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين، ومن ذلك البعض أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم المجيبة المخلصة العربية التى من نسل إبراهيم، وأما غيرهم فتبع لهم { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا } علمناها، وهى شرائع ديننا، أو مناسك الحج ومنها الذبح، أو بصِّنا مواضعها، ومنها مواضع الذبح، وأصل النسك العبادة الشاقة، ثم خص بالحج لمشقته، وربما خص بعده بالذبح، وموضع الكعبة قبل الأرض بألفى عام، زبدة بيضاء، وبسطت الأرض من تحتها، واستوحش آدم، وشكا إلى الله عز وجل فأنزل عليه البيت المعمور، ياقوتة من الجنة، لها بابان من زمرد أخضر، باب غربى، وباب شرقى فى موضع الكعبة، وقال: طف وصل عنده كعرشى، وأنزل عليه الحجر الأسود. فحج آدم من الهند ماشيا، معه ملك يدله، واستقبلته الملائكة أربعين فرسخاً، وقال له الملائكة بر حجك يا آدم، وقالوا، حقا لما قد تستعظم النفس من عبادتها، لقد حججناه قبلك بألفى عام، وزاد بعد ذلك تسعا وثلاثين حجة من الهند ماشياً، ورفع فى عهد آدم إلى السماء الرابعة، وبنى الكعبة فى موضعه، وقيل، رفع فى الطوفان، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ولا يعودون إليه، وأمر الله عز وجل جبريل عليه السلام أن يخبىء الحجر فى أبى قبيس صيانة من الغرق، وبقى البيت خرابا إلى أن أمر الله إبراهيم ببنائه، وبناه ورد إليه الحجر، وقد أمره الله جل جلاله الملائكة أن يتوافى كل سماء وأرض بيتاً على مست الكعبة.
روى أن الأرض انشقت إلى منتهاها، وقذفت الملائكة حجارة كالإبل، أو كأسنتها، خضراء، وبنوا البيت عليها، ثم بناه آدم لطول عهده من حين بنوه، فتلك التى بنى عليه إبراهيم أظهره الله، فذلك بناءان، ثم شيث، ثم إبراهيم، ثم العمالقة، ثم الحارث بن مضاض الجرهمى، ثم قصىّ جد النبى صلى الله عليه وسلم، ثم قريش، لضعفه بالسيل، وحضره صلى الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين، ثم عبدالله ابن الزبير ليدخل فيه الحطيم على أصله مع ضعفه بحجارة المنجنيق، إذ حاصره الحجاج، حفر إلى حجارة الملائكة وبنى منها، وإذا ضرب المعول فيها تحركت كلها وسائر الأرض القريبة، وجعل لها بابا تحت الموجود الآن، وبابا مقابلا له من جهلة الركن اليمنى، ملتصقين بالأرض ابتداء فى جمادى الأخيرة، وختم فى رجب سنة خمس وستين، وذبح مائة بدنة للفقراء، وكساهم، وهدمه الحجاج كله وبناه، وأخرج الحطيم، وقيل، هدم الحجر القرامطة، وأخذوا الحجر، وقتلوا من وجدوا من المسلمين، ثم رد بعد مدة طويلة، وبنى ما هدموا، وبنى فيه بعض الملوك سنة ألف وتسع وثلاثين، وهو من حجارة خمسة أجبل، طور سيناء، وطور زيتاء، ولبنان بالشام، والجودى بالجزيرة، وقواعده من حراء بمكة { وَتُبْ عَلَيْنَا } فيما فرط منا من ترك ما هو أفضل إلى ما دونه، وذلك ما ليس بمعصية فى حق غير الأنبياء، كنوم أكثر الليل، وكما يكون من طبع البشر، كعجب ضرورى ينفيانه، وكالانتقام الجائر، ونحو ذلك مما ليس ذنبا فى حق الناس، وفعلاه عمداً أو سهواً أو نسياناً أو ذلك هضم، أو تعليم للتوبة، أو استتابة لذنوب ذريتهما، وأضافا لأنفسهما مبالغة، أو يقدر، وتب على ذريتنا، أو إجراء للولد مجرى النفس لعلاقة البعضية ليكون أقرب للإجابة والمعنى، أقبل توبتنا، وتوبة العامة الندم عن المعصية وإصلاح ما فسد، أو العزم على إصلاحه إن لم يمكن فى الحال، وتوبة الخواص الندم عن المكروه والتقصير والكسل فى العبادة، وتوبة خواص الخواص الترقي فى الدرجات، وهما عليهما السلام من الثالث، أو يخافان أن يكونا من الثانى، ويجوز أن يقدر، وتب على عصاتنا أو أراد المجموع، فيرجع الكلام إلى العصاة { إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ } لمن تاب { الرَّحِيمُ } به، كالحجة، لقولهما، تب علينا، وقد مر أن توبة الله التوفيق إلى التوبة، أو قبوله التوبة.