التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ
١٤
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا } أى ذكروا ما يفيد أنهم آمنوا، وسائر الأقوال والأفعال، وذلك أن الإيمان قد علم منهم فى الظاهر قبل ذلك، وذلك دفع للمؤمنين عن أنفسهم واستهزاء، ولا يتكرر مع ما مر؛ لأنه إبداء لخبثهم وخوفهم، وادعاء أنهم أخلصوا الإيمان، ولأنه بيان لكونهم يقولون ذلك خداعا واستهزاء، وأنهم يقولون ذلك عند الحاجة إليه فقط، وذلك عند لقاء المؤمنين { وَإِذَا خَلَوْاْ } عن المؤمنين راجعين { إِلَى شَيَٰطِينِهِمْ } أو خلوا مع شياطينهم، يقال، خلوت إليه، أى معه، وشياطينهم رؤساؤهم، كعب بن الأشرف من اليهود فى المدينة، وأبو بردة فى أسلم، وعبد الدار فى جهينة، وعوف بن عامر فى أسد، وعبدالله بن الأسود فى الشام، وغيرهم ممن يخافونه، من كبار المشركين والمنافقين، سماهم شياطين تشبيها لمزيد فسادهن وإغوائهم، وذكر بعض أن هؤلاء المذكورين كهنة، وقيل: الشيطان حقيقة فى كل متمرد من الجن أو من الإنس وليس المراد الكهنة خلافا للضحاك، ولو كان مع كل كاهن شيطان، لأنهم أهون من أن يتملقوا إليهم، بقولهم، إنا معكم، كما قال الله عنهم { قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ } فى الدين اليهودى، إن أريد بشياطينهم اليهود، وإن أريد به مشركو العرب فالمراد فى الإشراك { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } بالمؤمنين فى قولنا، آمنا، لا مؤمنون حقيقة، بل قلنا ذلك لنكف عن أنفسنا القتل والشر والسبى وبحلب الخير، كالأخذ من الصدقة والغنيمة، مع الاحتقار والتهكم بهم، ولا تظنوا أننا تبعناهم، والاستهزاء بمعنى الهزء، كاستعجاب بمعنى العجب، وهو الاستخفاف والسخرية، وأصله الخفة، يقال هزأت به الناقة أسرعت به.
روى أن أُبىّ بن عبدالله وأصحابه جاءهم نفر من الصحابة لينصحوهم، فقال لقومه، انظروا، كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبى بكر الصديق، فقال، مرحبا بالصديق وشيخ الإسلام، ثم أخذ بيد عمر، وقال مرحبا بالفاروق القوى فى دينه، ثم أخذ بيد علىّ، وقال: مرحبا بابن عم رسول الله، وسيد بنى هاشم، فقال له: يا عبدالله، اتق الله ولا تنافق، فقال له: مهلا. يا أبا الحسن؛ إنى لا أقول هذا والله، إلا أن إيماننا كإيمانكم، ثم انترقوا، وقال لأصحابه، كيف رأيتمونى فعل فإذا رأيتموهم فافعلوا مثل ما فعلت، فأثنو عليه، وقالوا: لا نزال بخير ما دمت فينا.
وأخبر المسلمون النبى صلى الله عليه وسلم بذلك فنزلت الآية، وليس ذلك عين سبب النزول، بل مناسبة؛ لأن أبيّا قال لأصحابه، انظرواكيف أفعل، والجملة مستأنفة فى كلامهم بلا تقدير سؤال هكذا، ما لكم توافقون المؤمنين، لقول عبدالقاهر موضوع إنما أن تجىء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته، إلا أنه قد يصور السؤال فى صورة لا تحتاج إليه فيجوز التقدير المذكور، وقد لا نسلم قول عبدالقاهر إذا ادعى أنه ذلك أصل إنما، وأن مدخلوها معلوم، وحىء بها لإفادة الحصر، وليس كذلك أيضاً، فإنك تقول: إنما قام زيد لمن لا شعور له بقيامه وحده، ولا مع غيره، ولا بقيام غيره دونه.