التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٤٥
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَٰبَ } التوراة والإنجيل { بِكُلِّ ءَايَةٍ } دليل منقول عن الله، أو حجة عقلية، تنبنى على دين الله، أو مجرد حجة عقلية على صدقك، فى أن الله هو الذى أمرك بالتحويل إلى استقبال الكعبة { مَّا تَبِعُواْ } كلهم، ولو يتبع بعضهم { قِبْلَتَكَ } الكعبة، لأن عنادهم لك فى أمر القبلة وغيره ليس لشبهة، فيتركوه لآية تزيلها، بل عناد وحسد { وَمَآ أَنْتَ بِتَاَبِعٍ قِبْلَتَهُمْ } إخبار منه تعالى، بأنه لا يصدر منه متابعة قبلتهم، وهو مدح وتبشير، وقيل: إخبار بمعنى النهى، أى لا تتبع قبلتهم، أى دم على عدم ابتاعها، صخرة بيت المقدس لليهود، ومطلع الشمس للنصارى، لأن الله هو الذى أمرك بالتحول عن قبلة بيت المقدس، وأما مطلع الشمس فلا وجه لاستقباله، إذ ليس فى التوراة، وإنما الواجب على النصار قبل التحويل إلى الكعبة استقبال بيت المقدس لوجوب اتباع التوراة عليهم إلا ما نسخ الإنجيل منها، وإنما اتخذوه من اتخاذ مريم مكاناً شرقيا، أو من بوليس اليهودى إذ غرهم، وقال: إن الشمس كل يوم تبلغ سلام عيسى إلى الله، وقد أمر عيسى بأن تستقبلوه فى الصلاة، وقد صح أن عيسى يستقبل بيت المقدس، ولذلك أفرد قبلتهم، لأن القبلة بيت المقدس لا المشرق وبه خوطبوا كاليهود، وهذا أنسب بما فى نفس الأمر، وزعم أشياخ النصارى أن المسيح فوض إليه الدين، فما أوجبوه أو حرموه أو أباحوه فهو كذلك، فجعلوا الصلاة للمشرق، لأن فيه أسراراً ليست فى غيره عندهم، ولذا كان مولده شرقاً، أو أفردها مع أنها اثنتان، بيت المقدس ومطلع الشمس لا تحادهما فى البطلان بعد التحويل للكعبة، فأنهما إذ بطلتا قبلة واحدة، فقبلة حق، وهى الكعبة، وقبلة باطل، وهى ماعداها، وهو أنسب لقوله { وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ } وكذا إن قلنا، أفردها لمشاكلة الأفراد فى قوله { ما تبعوا قبلتك } أو معنى { ما أنت بتابع قبلتهم } أن قبلتك لا تنسخ إلى قبلتهم، كما لا تنسخ إلى غيرها، وفيه قطع طمعهم عن أن يستقبل قبلتهم، كما أنه قطع طمعه فى أن يؤمنوا، ويستقبلوا الكعبة، بقوله، ما تبعوا قبلتك، وهذا أولى من أن يقال، المراد النهى، أى لا تتبع قبلتهم، لأن استعمال الجملة الاسمية فى الطلب ضعيف، وما تقدم أولى من أن يقال، المعنى ما ينبغى لك اتباع قبلتهم وما يحق، وقيل: إن الله لم يأمر اليهود باستقبال بيت المقدس فى التوراة، بل كانوا ينصبون التابوت، ويصلون إليه من حيث خرجوا، فإذا قدموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه من خلفه، ولما رفع صلوا إلى موضعه، وأبقاهم الله على ذلك وصحح بعضهم أنها فى التوراة التى غيروها، ونسخت على كل حال، والصابئون يصلون إلى الكعبة، ولعلهم اختاروهخا بعد نزول القرآن بها، وقبلة السامرية طورهم فى الشام، يعظمونه ويحجون إليه، وهى فى بلدة نابلس قبلة باطلة مبتدعة، والبعض الأول لليهود أو للنصارى، والثانى للآخرين، وفى ذلك بعض تسلية، إذ لم يختص عنادهم به، بل هو شأنهم حتى كان بينهم { وَلَئِنِ اتَبَعْتَ أَهْوَاءَهُمّْ } ما يحبونه مما خالف الحق كالرجوع إلى قبلتهم، وهذا زيادة فى قطع طمعهم فى أن يتبعهم، وإلا فقد تحقق أنه صلى الله عليه وسلم، وتحقق من الله، أن الرسل لا تفعل ذلك، أو الخطاب للمؤمنين على البدلية لا له صلى الله عليه وسلم، ولا سيما مع قوله تعالى { وما أنت بتابع قبلتهم } إلا على معنى، لا ينبغى لك ابتاعها، أولا تتبعها، أو الخطاب له صلى الله عليه وسلم على سبيل الفرض تعريضا بغيره، إذ كان يعاقب لو اتبع، فكيف غيره، وتهييجا على الثبات { مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } الوحى، أن القبلة الكعبة أبدا، أو العلم المعلوم { إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ } لأنفسهم، ولدين الله، ولغيرهم بالبدعة، أكد الله عز وجل باللام، والقسم المقدر قبلها، وإن الفرضية، وإن اللام فى خبرها، والجملة الاسمية، وتعريف الظالمين، وإذا الجزائية فإنها لكونها جوابا وجزاء تفيد المبالغة وإيثار من الظالمين على أنك ظالم، أو الظالم لإفادة أنك معدود فيهم، وزيد من العلماء أبلغ من زيد عالم، وتسمية الاتباع هو بمعنى أنه لا يعضده دليل، والإجمال والتفصيل فى قوله { ما جاءك من العلم } إذ لو قال، ما جاءك العلم لكفى، وجعل الجائى نفس العلم، ووضع الظاهر موضع المضمر، إذ لم يقل لمنهم، أى اليهود والنصارى، إن أريد العهد.