التفاسير

< >
عرض

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ
١٨٠
-البقرة

تيسير التفسير

{ كُتِبَ } نائب فاعله الوصية، وذكر للفصل، ولمعنى لإيصاء، كما قال السعد: الأصل التأنيث، ولو كان غير حقيقى، ويختار إلا لداع، كالفصل فى غير الحقيقى هنا، قال الرضى، زاعماً أن ذلك لإظهار فضل الحقيقى على غيره، وهو تعليل لا يرضى، كيف يقال اختار الله عز وجل التذكير ليعلمنا بفضل الحقيقى على المجازى { عَليْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } أى أسبابه بحسب الظن، وإلا فلا يدرى أحد أنه يموت فى ذلك الوقت ولو اشتد ضره { إِنْ تَرَكَ خَيْراً } مالا قليلاً أو كثيراً، بأن يكون له ربع دينار زيادة على ديون الخالق، والمخلوق، والأنسب أنه إن قل ماله عن ذلك أوصى ولو بأقل من ربع دينا، وذكره بلفظ خير تلويحا بأن الوصية من طيب المال حلالا وجودة، ويجزى ما دون الجيد إلا أنه لا يحسن، وقد استعمل الخير فى المال مطلقا، كقوله تعالى: { وَإِنه لحب الخير لشديد } [العاديات: 8] وفى المال الحلال كقوله تعالى: { وَمَا تُنْفِقُوا مِن خير } [البقرة: 272، 273]، وقالت عائشة وعلى: الخير المال الكثير، والكثرة والقلة بالنسبة إلى الموصى وحاله، رجلاً أو امرأة، ككثرة حاجاته، وكثرة الوارثين، أراد رجل أن يوصى فسألته كم مالك؟ فقال ثلاثة آلاف درهم؟ فقالت: كم عيالك؟ فقال أربعة فقالت إنما قال الله إن ترك خيراً، وأن هذا يسير فأتركه لعيالك، ولا شك أنه كثير فى نفسه، لكن قلته بالنسبة لعياله، وكذا سأل عليا مولى له الوصية عند احتضاره، وله سبعمائة درهم، قيل أو ستمائه فمنعه لكونه ذا عيال، وقال إن الله تعالى قال، { إن ترك خيراً }، والخير هو المال الكثير، ولا شك أن سبعمائة درهم كثير فى ذاتها إلا أنها قليل بالنسبة، وعن ابن عباس من لم يترك ستمائة دينار لم يترك خيراً، أو الخير فى العرف العام المال الكثير، كما لا يقال ذو مال إلا إن كان كثيراً، وإن أوصى من قبل وعند حضور الموت نقص عما تجب الوصية معه فله إسقاط ما أوصى به للأقرب، والتقييد بالقلة والكثرة إنما هو بالنظر إلى وصية الأقرب الباقية بلا نسخ { الْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } كالإخوة والأخوات، والأعمام، والأجداد والجدات، والأخوال ثم نسخ بآية الإرث، وحديث لا وصية لوارث، إلا أن يشاء الورثة، قال فى حجة الوداع إذ خطب فيها، إن الله تعال قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث، وروى أنه خطب على راحلته وقال: إن الله تعالى قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث، فلا تجوز لوارث وصية، ولا عبرة بإجازة الورثة إذا كان ما أوصى به لوارث لا يرجع إليهم إن ردوه كالوصية لوارث بالكفارة أو بشاة الأعضاء أو نحو ذلك، وإن كان فيه عمل كالحج والقراءة فى موضع فقد يجوز، ومن وقف مع الحديث عموما منعه، وإن أوصى لوارث بحق له عليه جاز إجماعا مع انتفاء الريبة، مثل أن يوصى بأرش ضربة ضربه إياها، أو بمال له أكله منه بلا رضى، وخرج من الكل على أنه متواتر، وإلا فالناسخ آيات الإرث، والحديث مبين للنسخ بهن، وبقيت الوصية للأقارب الذين لا يرثون من جهة الأب ومن جهة الأم على ترتيب فذكره فى الفقه، قيل المراد بالأقارب ما يشتمل المشركين، تأليفا للناس ورعاية لحق القرابة أول الإسلام، ولما كثير الإسلام شرع الإرث ونسخ الوصية للوارث، وثبت أن الكافر لا يرث الموحد أو هذه الآية هى الميراث بحسب ما يريد الموصى، ثم نسخ رد التفصيل إليه بالتفصيل فى آيات الإرث { بِالْمَعْرُوفِ } بأن ينوى إنقاذ حكم الله والتقرب إلى الله، لا الحمية، أو الفخر أو الرياء، أو غرضا من أغرضا الدنيا، وبأن يكون من الثلث، ولا يفضل الغنى لغناه، وله تفضيل الفقير، وأن لا يكون فوق الثلث، هذا الأخير، على أن هذه الآية لم تنسخ بالإرث، بل بينتها آية الإرث، وبقيت وصية الأقرب غير الوارث، وأن يكون جزاء على معصية { حَقّاً } حق ذلك حقا، ولا شك أن ما كتبه الله على العباد حق، فهو مصدر مؤكد للجملة { عَلَى المُتَّقِينَ }.