التفاسير

< >
عرض

أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ
١٩
-البقرة

تيسير التفسير

{ أَوْ كَصَيِّبٍ } أو كمثل أهل صيب، أو بل كمثل أهل صيب، أو يتنوع من ينظر إليهم فى شأنهم بعقله إلى من يشبههم بالمستوقد المذكور، وإلى من يشبههم بأهل الصيب، أو يشك الناظر فى شأنهم أو هم كالمستوقد أو كالصيب أو يباح للعاقبل أن يشبههم بمن شاء منهما، أو يخير أن يقصر التشبيه على أحدهما، والصيب المطر المنحدر من السماء، والصواب الانحدار، والأصل صيوب على الخلاف فى باب سيد، قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء، وهو وزن فى معل العين. وشذ فى الصحيح كصيقل، وقيل: هو بوزن طويل، فقلب وشهر أن لفظ صيب اسم، وقيل: وصف بمعنى نازل، وزعم بعض أنه بمعنى منزل، وبعض أنه اسم بمعنى السحاب { مِّنَ السَّمَاءِ } السحاب، أو من جهة السماء وجهتها السحاب. وذكر ذلك مع أنه لا يكون الصيب إلا من السحاب وجهة السماء تلويحا إلى أنه من جميع آفاقها { فِيهِ } فى الصيب كما يتبادر، أو فى السماء أى السحاب. وهو أولى لأن الرعد ملكا كان أو صوته أو صوت ماء هو فى السحاب، لا فى المطر؛ ولو كان البرق يصل الأرض لأنه أولا يجىء من السحاب { ظُلُمَٰتٌ } متراكمات، ظلمة السحاب، ففيه ظلمة ولو فى أجزائه، وظلمة المطر وظلمة الليل المدلول عليه بقوله: " { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ } " [البقرة: 20] ويجوز كون فيه نعتا لصيب أو حالاً، وظلمات فاعلة { وَرَعْدٌ } الرعد ملك سمى صوته باسمه، أو يقدر مضاف، أى وصوت رعد، أو اسم موضوع لصوت ملك السحاب. أو هو صوت تضارب الماء، وذلك الصوت مطلقا صاعقة، كما ذكر تقريباً، والمراد أصوات. بدليل جمع الصواعق { وَبَرْقٌ } ملك على هيئة النور، أو نور صوته الذى يزجر به السحاب، لا كما قيل إنه سوط من نار يزجر به السحاب، وأفردا لأنهما مصدران الآن، أو فى الأصل وزعم بعض أنهما أفردا لأن الرعد يسوق السحاب فلو كثر لتفرق السحاب ولم يكن مطبقاً، فتزول شدة الظلمة ولو كثُر البقر ولم تطبق الظلمة، وبعض أنه لم يجمع النور فى القرآن فلم يجمع البرق { يَجْعَلُونَ } يحمل الناس الذين حضرهم الصيب، دل عليهم أن المقام لذكر ظلمة الصيب، والجمل لكونه أول على الإحاطة أبلغ من الإدخال { أَصَٰبِعَهُمْ } أطراف أصابعهم على المجاز بالحذف، أو سماهم باسم الأصابع لأنها بعضها، والمجاز لغوى، ونكتته التهويل بصورة جعل الأصابع إلى أصولها، أو لا مجاز، لأن وضع طرف إصبعه على شىء بصدق جعل أنه وضع إصبعه عليه بلا قرينة ولا علاقة، كما أن قولك سسته بيدى حقيقة ولو كان المس ببعضها ولما فى قوله { فِي ءَاذَٰنِهِمْ } فإنه حقيقة مع أن الجعل ليس فى كل الأذن، وأطبق الأصابع مع أن المعبود السبابة لدهشتهم، حتى إنهم يدخلون أى إصبع اتفقت، ويجوز أن يكون المجاز عقليا بإسناد الجمع للأصابع مع أنه للأنامل { مِّنَ الصَّوَّٰعِقِ } المعهودة بالمعنى فى قوله ورعد، لا باللفظ، كقوله تعالى " { وليس الذكر كالأنثى } " [آل عمران: 36] فإن قولها، ما فى بطنى، أرادت به الذكر، والمراد بها شدة الصوت، والأكثر فى الصاعقة صوت مع نار، أو نار بلا صوت، لا تمر على شىء إلا أحرقته، وذلك من الجو، وقد يكون معها حجر أو حديد، ويجوز حمل الآية على الصوت مع النار، على أنهم توهموا أن عدم سماع ذلك الصوت منج لهم من أن تصيبهم نار، فيكون الكلام تمثيلا بقوم شأنهم التوهم، فجعلوا أصابعهم فى آذانهم لئلا يسمعوا. ولا يصح ما قيل، إن المشهور أن الصاعقة لرعد الشديد معه قطعة نار، بل هى قطعة النار سواء مع صوت أو دونه وهو فى الأصل صفة من الصعق، بمعنى الصراخ وتاؤه للتأنيث صفة لمؤنث، أو للمبالغة، كراوية لكثير رواية الشعر، وليس قولهم للنقل من الوصفية إلى الاسمية خارجا عن ذلك لأن حاصله أنه كان وصفاً مؤنثاً بالتاء، ثم صار اسماً وقيل مصدر كالعافية والعاقبة { حَذرَ الْمَوْتِ } لأجل حذر الموت بالسمع، وهو تعليل للعلة الأولى التى هى قوله من الصواعق مع معلله، وإنما الممنوع ترادف علل على معلول مجرد بلا تبعية، أو يقدر حاذر بن الموت. أو ذى حذر الموت، أو يجدونها حذر الموت وحاصل الشبه بالصيب المذكور أن القرآن شبيه بالمطر، إذ هو سبب لحياة الدنيا، والقرآن سبب لحياة القلوب، وأن الكفر شبيه بالظلمات فى مطلق الإهلاك وعدم الاهتداء، وفى مطلق الحيرة، والوعيد عليه شبيه بالرعد فى الإرهاب، والحجج شبيهة بالبرق فى الظهور والحسن. وسد آذانهم عن سماع القرآن شبيه بسدها عن الصواعق، وترك دينهم شبيه بالموت عندهم، وذلك تشبيه مفردات بمفردات، وإن شئت فتشبيه مجموع بمجموع تمثيلى { وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَٰفِرِينَ } بأجسامهم واعتقادهم وأقوالهم وأفعالهم، ولا يخفى عنه ما يعاقبهم عليه، أو قل، وعقاب الله محيط بالكافرين، شبه قدرته بإحاطة المحيط بالشىء، تشبيه الكامل بالناقص على الاستعارة الأصلية، واشتق منه محيط على التبعية، أو الاستعارة تمثيلية، أو الإحاطة الإهلاك ون معناه، أحاطت به خطيئته، أو عالم علم مجازاة، ومن معناه، وأحاط بما لديهم.