التفاسير

< >
عرض

وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ
١٩٥
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَأَنْفِقُواْ } أموالكم على أنفسكم، أكلا ولباسا لتقووا على الجهاد، وفى شراء الخيل ونفقتها، وآلتها للجهاد وشراء السلاح، وللزاد، وتجهيز الغزاء بقدر ما تطيقون، وفى صلة الرحم والمحتاج والحج والعمرة. وأهل الحاجة والعيال وجميع المصالح الدينية وكل ذلك فى سبيل الله كما قال { فِى سَبِيلِ اللهِ } ولو كان يتبادر هذا اللفظ فى الجهاد فيراد الكل ولو كان المراد بالذات فى المقام الجهاد، والآية أمر بالجهاد بالمال بعد الأمر به بالجسد { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } لا تطرحوا أيديكم أو تفضوا بأيديكم، وسمى الطرح إلقاء لأنه تصيير الشىء، يلقى أى يصادف، والأيدى الأجساد لأنها بعضها الذى تدفع به وتجلب غالباً، وأقوى، أو لا تلقوا أيديكم منتهية أو منتهين { إِلَى التَّهْلكةِ } أى الهلاك أى المضرة الدنيوية وهى القتل، والأخروية وهى عذاب النار، ولا مصدر على هذا الوزن إلا تضره ولا تسره بمعنى الضرر والسرور فهن ثلاثة، وقيل الضم بدل من الكسر ولا داعى إلى إبدال الثقيل بالأثقل، وأما الجوار بالضم فلغة فى الجوار بالكسر لاتقل مع أن الضم أنسب بالواو، وأيضاً الفعلة بالكسر مقيس فى معلّ اللام، سماع فى الصحيح، كتجربة وتكملة، وقيل الهلاك ما يمكن التخلص منه والتهلكة ما لا يمكن التخلص منه، وزيادة الباء فى المفعول به قليلة، أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إلى التهلكة، أى باختياركم فتأخذ التهلكة بها وتقبضها، فذكر الأيدى إشعار بالاختيار، وحذف المفعول، أو لا تجعلوا التهلكة آخذة بأيديكم، كما يقال فى العاجز ألقى بيده إلى عدوه، فإنك إذا تركتم الجهاد أو الإنفاق فيه أهلككم العدو بالقتل والتغلب، إذا تركوا الإنفاق فى الجهاد ضعف الجهاد فيئول إلى تركه وإلى غلبة العدو عليهم وقتلهم، قال أبو أيوب خالد بن زيد الأنصارى لما أعز الله الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهلنا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت الآية، فيتحتمل أن سببها ما ذكره فتشمل بعموم اللفظ الإمساك عن الإنفاق، ولحب المال وذلك هلاك أخروى، وقد سمى البخل هلاكا لأنه سبب الهلاك، ويشمل الإسراف حتى يبقى بتكفف، ففى الإنفاق طرفان مذمومان، إفراط وهو الإسراف، وتفريط وهو الإمساك، نهى عنهما بقوله، وقاتلوهم، وفى رواية قالت الأنصار فيما بينهم: إن الله قد أعز دينه وكثر ناصره فلو قلنا له صلى الله عليه وسلم نقيم لإصلاح ما لنا وتدارك ما ضاع منها فنزلت الآية، واستدل بالآية على تحريم الإقدام إلى ما فيه الهلاك، وعلى جواز مصالحة الكفار والبغاة إذا خاف الإمام على نفسه أو على المسلمين، وفسر بعض التهلكة بالدخول فى وسط العدو، وفسر بالبخل ونحو ذلك مما مر، والعبره بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهو اشتغال الأنصار بأموالهم كما مر ومن مثل لها بمسلم دخل فى صف الروم وحده بعده صلى الله عليه وسلم لم يخطأ إلا إن قصرها على مثله { وَأَحْسِنُواْ } بالإنفاق، لا تتركوه ولا تسرفوا ولا تجعلوه فى المعصية، بل على أهلكم وقرابتكم وأهل الحاجة، وفى الجهاد فى سبيل الله وبأعمالكم وأحلاقكم { إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } أى يثيبهم على إحسانهم أو يعطيهم الخير، لأن من لازم الحب فى الشاهد فعل الخير.