التفاسير

< >
عرض

فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٢٣٠
-البقرة

تيسير التفسير

{ فَإِنْ طَلَّقَهَا } ومن الطلاق الفداء خلافا لجابر بن زيد "منا"رحمه الله ، وللشافعى فى أنه فسخ، ومختار مذهبه أنه طلاق وهذه الآية متعلقة بقوله تعالى: الطلاق مرتان، أى، فإن طلقها بعد المرتين { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ } بعد الثلاثة { حَتَّى تَنْكِحَ } تتزوج { زَوْجاً غَيْرَه } واشتراط الوطء بغيبوبة الحشفة من الحديث، لقوله صلى الله عليه وسلم لتميمة بنت وهب، أو عائشة بنت عبدالرحمن بن عتيك، روايتان، لعلهما قصتان، أتريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ بكسر الراء، ابن وهب بن عتيك، يعنى زوجها الذى طلقها ثلاثا، قالت: نعم. قال: لا حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك، يعنى زوجها الثانى عبدالرحمن بن الزبير، بفتح الزاى على الصحيح. وقيل بالتصغير، وعابته بأنه ما معه إلا مثل هدبة الثوب، فضحك صلى الله عليه وسلم. والعسيلة الجماع، والعسل يكثر تأنيثه أو يغلب، فردت التاء، أو تصغير عسلة، أى قطعة من عسل، وإنما فسرت النكاح بالتزوج لأنه الوارد فى القرآن، لكن لما جاء الحديث بشرط الوطء أمكن أن يراد بالنكاح فى الآية، والحديث تقرير لها. قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له" ، يعنى بالمحلل له الزوج الأول والمرأة، وإن لم تعلم بقصد التحليل فلا إثم عليها وعن عمر، لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتها، وذلك بالدخول، فلو أقرت بأنها علمت أو شهد لها بذلك لرجمها، بل دخلت فى محلل له، وفرق عثمان بينهما وبين من يحللها، وحرمت على المحلل، ولا تحل للأول أبداً، لأن ذلك منها زنا، إن علمت بقصد التحليل، ولو تزوجت بعد ذلك بلا قصد تحليل، وقد يجوز له إن تزوجت بعد لأن ذلك شبهة، أو صحت توبتها وتزوجت، ولم يحرمها الحنفية على المحلل { فَإِن طَلَّقَهَا } هذا الزوج الثانى { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } فى { أَنْ يَتَرَاجَعَآ } ترجع إلى الأول ويرجع إليها بنكماح وصداق وبنية، وزعم شاذ من قومنا، أنها تحل للأول بعقد ثان ولو بلا وطء وإن نكحها الثانى بقصد الحل للأول لم تحل للأول، ولو وطئها الثانى، وقد لعن صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، وحرمت إجماعاً على المحلل إن ذكر التحليل فى عقد النكاح، وإن قصده ولم يذكر حرمت عند الجمهور، وقال أبو حنيفة يكره، واللعن أنسب بالتحريم، لأن اللعن يقتضى القبح لعينه، ومعنى المحلل قاصد الحل، لا أن الحل واقع، فهو رد على أبى حنيفة، وهو كثير الوفاق بينه وبيننا معاشر الإباضية الوهبية فى المسائل، وقوله هذا موجود أيضا فى المذهب { إِن ظَنَّآ } أى رجحا وكفى، بل لو قيل بمعنى علما وأريد قوة الرجحان لجاز، ولا نسلم أنّ أن المصدرية للتوقع، فضلا عن أن يقال، ينافى العلم، وأما أن يتكلف أنه قد يوقن بالمستقبل فتكلف { أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ } فيما بينهما من الحقوق الزوجية والمقام لها، ولو كان من الجائز أن تحمل الحدود على الحقوق الزوجية وغيرها { وَتِلكَ } الأحكام { حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } وغيرهم وخصهم بالذكر، لأنهم المنتفعون بالتبيين، والمراد يعلمون الحق إجمالا وإذعانا، أو بعضه، فيزدادون علما، والمراد يتدبرون العواقب، أو يتصرفون فى الدلائل أو يعلمون، فذكر السبب عن المسبب، أو أراد الراسخين، لأن بعض الحدود لا يعقله إلا الراسخ، أو أخرج به الطفل والمجنون ونحوهما.